ظهور الإعلام المتخصص ونشأته

 
د. عبدالله بدران
بعد أن كثرت مجالات الحياة وتشعبت ميادينها وتطورت حقولها، صار التخصص في مجال ما أمرا لا غنى عنه ولا حيدة عنه، سعيا نحو الإبداع في هذا المجال والإلمام بكل ما يرتبط به، وتطوير آفاقه، والتركيز على جميع تفاصيله وجزئياته.
 وانطلاقا من ذلك نشأت الحاجة إلى وجود أنواع من الإعلام المتخصص في ميادين تطلبت ذلك الأمر، وبات أمرا حيويا لها، وضروريا لفهم مكوناتها وأقسامها وموضوعاتها فهما عميقا شاملا، كالإعلام الاقتصادي والرياضي والأمني والعسكري والبيئي.
 ويعرف الإعلام المتخصص تعريفات عدة منها:
رسالة ما تتخذ أشكالاً ووسائل مختلفة مقروءة، مسموعة أو مرئية، بهدف التعبير عن موضوع ما، يتسم بالاعتماد على الأبحاث والدراسات ذات التخصص الدقيق، أو موجه لفئةً أو جمهور محدد أو كليهما معاً، في إطار أهداف، ووظائف محددة تتمثل في الأخبار، التثقيف، التعليم، الترفيه.
نمط إعلامي معلوماتي يتم عبر وسائل الإعلام المختلفة ويعطي جلّ اهتمامه لمجال معين من مجالات المعرفة، ويتوجه إلى جمهور عام أو خاص، مستخدماً مختلف فنون الإعلام من كلمات وصور ورسوم وألوان وموسيقا ومؤثرات فنية أخرى، ويقوم معتمداً على المعلومات والحقائق والأفكار المتخصصة التي يتم عرضها بطريقة موضوعية.
 ولايعني وجود إعلام عام وإعلام متخصص أن الأساليب العامة لكل منهما تختلف عن الأخرى، وأن كلا منهما يتجه في أداء دوره ومهامه وأهدافه مستعينا وسائل وسبلا تختلف عن الآخر بل إن كلا منهما يستخدم الأساليب والسبل نفسها مع مراعاة خصوصية وطبيعة كل نوع.
 ويفرق الباحثون بين الإعلام المتخصص والإعلام الخاص، فالإعلام المتخصص وفق أحمد عمر  "يجب أن يكون موضوعياً لأنه يهدف إلى نشر الوعي والمعرفة والثقافة المستندة إلى الحقائق والمعلومات في مجال معين. أما الإعلام الخاص فهو إن كان يقوم في جانب منه على الحقائق والمعلومات، إلا أنه يقدم بصورة ذاتية تعبر عن وجهة نظر معينة، بهدف تكوين رأي عام حول موضوع معين، أو توجيه الجماهير للتصرف بطريقة معينة" (.
أسباب ظهور الإعلام المتخصص ونشأته:
 يشكل الإعلام المتخصص ظاهرة ذات طابع تاريخي- اجتماعي. ويعتبر ظهوره وتطوره عملية معقدة وممتدة، حصلت في التاريخ والمجتمع. ويمكن تحديد العناصر المكونة لظاهرة نشوء الإعلام المتخصص وتطوره على النحو الآتي:
·       يأتي الإعلام المتخصص تعبيراً عن التقسيم الاجتماعي للعمل، وانعكاساً له. ويرتبط التقسيم الاجتماعي للعمل موضوعياً بمستوى التطور الحضاري العام للمجتمع، وتطور قوى وعلاقات الإنتاج، وانعكاس ذلك كله في الحياة المادية والروحية للمجتمع.
·       اتساع مجالات المعرفة بصورة لم تعرفها البشرية من قبل. وشمل الاتساع موضوعات المعرفة التي تقدمها الصحافة.
·       اتساع الإطار الجغرافي الذي تشمله التغطية الإعلامية. ويرتبط الإطار الجغرافي لهذه التغطية بمستوى التطور التكنولوجي وتطبيقاته في مجال الإعلام. واتساع الإطار الجغرافي للتغطية الإعلامية يعكس تزايد الاهتمامات والحاجات، وظهور مصالح يعجز الإعلام العام عن الاستجابة لها وخدمتها.
·       فقدت الأحداث والظواهر والتطورات بساطتها الأولى، وأصبحت، بفعل عوامل ذاتية وموضوعية مختلفة، أكثر تعقيداً وتنوعاً وتشابكاً. ولم يعد بوسع الإعلام العام تقديم المعالجة المطلوبة ووفق المستوى المطلوب. الأمر الذي دفع باتجاه ظهور إعلام متخصص، يستطيع أن يقدم معالجة نوعية، تتميز بمستوى من الجدية والعمق والشمولية.
·       انتشار التعليم واتساع مجالاته بصورة غير مسبوقة. وإذا كان ظهور الصحافة العامة قد ارتبط تاريخاً بظهور الطبقة الوسطى، فإن ظهور الإعلام المتخصص وتطوره، يمثل تاريخياً، بمنظور ما، اتساع الطبقة الوسطى، وانتشار التعليم في أوساطها، وتنوع اهتمامات ومستويات واختصاصات وربما مصالح الشرائح المختلفة لهذه الطبقة المتزايدة الأهمية.
·       الآثار الثقافية التي ترتبت على انتشار التعليم. والمؤكد أن ثمة علاقة بين التعليم والثقافة، وغالباً ما يكون التعليم الأساس الذي تقوم عليه الثقافة، أو المنطلق الذي تنطلق منه، وأصبح الإعلام العام عاجزاً عن الاستجابة الفاعلة لانتشار الثقافة في المجالات كافة.
·       ازدياد الحاجات الإعلامية للشرائح المتعلمة والمثقفة المتعددة والمختلفة، وتعثر خطوات الإعلام العام في تقديم مادة قادرة على إشباع هذه الحاجات بالصورة المطلوبة.
·       تطور وغنى المعطيات في مجالات ونشاطات معرفية ومجتمعية وعلمية، وتحولها إلى حياة كاملة غنية، أمر جعل الإعلام العام يرتبك في تقديم المعالجة الإعلامية المناسبة لها، ويدفع باتجاه ظهور الإعلام المتخصص.
·       فرضت المنافسة المحتدمة بين وسائل الإعلام المختلفة البحث عن وسائل وأساليب ومجالات عمل إعلامي جديدة بهدف الانتصار في معركة الوصول والتأثير. وقد وجدت القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة في الإعلام المتخصص أحد الأساليب ومجالات العمل الإعلامي القوية الفاعلية في هذا السياق المعقد للوصول إلى أذهان البشر والتأثير في معارفهم ومعتقداتهم وسلوكهم.
أهمية الإعلام المتخصص :
 تظهر الأسباب التي ذكرت آنفا عن نشأة الإعلان المتخصص الكيفية التي انطلقت فيها بدايات هذا المجال، والأمور التي استدعت توسعه وتطوره المواكب للتطورات التي شهدتها البشرية في شتى الميادين.
 ويوما بعد يوم أخذت تتضح أهمية الإعلام المتخصص، والدور الذي يؤديه، تواكبا مع الإعلام العام من جهة ومتميزا عنه من جهة أخرى.
 ويمكن توضيح أهمية الإعلام المتخصص من خلال الأمور الآتية، وفق ما يقول الدكتور احمد عمر:
·       إذا كان هناك اتفاق عام على أهمية الإعلام في حياة الشعوب والدول على اختلاف درجات وعيها وتميزها، فإن أهمية الإعلام المتخصص تصبح قضية لا جدال حولها، وتصبح عملية توظيف وسائل الإعلام في هذا المجال، لا تخرج عن طبيعة الدور العام والهام لهذه الوسائل.
·       إن الإعلام المتخصص بطبيعة الحال هو إعلام موضوعي دقيق لأنه يقدم المعلومة المتخصصة إلى الناس، وهي مسألة تزيد من درجة الوعي والمعرفة وبخاصة في المجتمعات النامية التي تحتاج شعوبها إلى تحسين واقعها نحو الأفضل.
·       إن الإعلام المتخصص إذا بُني على أُسس سليمة مدروسة وموظفة، فإنه بذلك يزيد من قوة المشاركة الجماهيرية في خدمة قضايا المجتمع، وذلك من منطلق أن الإعلام يؤدي دوراً مهماً في تقارب وجهات النظر وبناء رأي عام موحد – تقريباً- تجاه هذه القضايا بما يدعم الجهود الرسمية الرامية لمواجهتها.
·       تتضح أهمية الإعلام المتخصص من تعاون وسائل الإعلام مع المتخصصين في المجالات المختلفة بتطويع مختلف العلوم لخدمة المجتمع. فالمجتمع البشري يزخر بالمشكلات التي تتطلب المواجهة والحل باستخدام العلم وتعاون أفراد المجتمع من المتخصصين على أداء دورهم لحل هذه المشكلات على أساس معرفتهم بها. وسبيل الفرد العادي الذي يشكل السواد الأعظم من الجمهور إلى هذه المعرفة هو وسائل الإعلام المختلفة.
·       تتضح أهمية الإعلام المتخصص في الارتباط بين المجالات المعرفية المختلفة ووسائل الإعلام، ذلك أن غياب هذا الارتباط يفقد المجتمع عنصراً أساسياً من العناصر المطلوبة لوعيه وتقدمه.
·       يشكل الإعلام المتخصص مدخلاً مناسباً إلى ترقية العقول، وبقدر البساطة والصدق في أسلوب التناول والعرض لموضوعات الإعلام المتخصص، يكون الترحيب والقبول والتفاعل مع ما تطرحه وسائل الإعلام من موضوعات.
·       يعمل الإعلام المتخصص على تضييق الهوة بين الثقافة العامة والمعرفة العلمية التخصصية، التي ظلت مدة طويلة حكراً على المتخصصين في مجالها.
·       يشكل الإعلام المتخصص علامة من علامات انتقال المجتمعات من المرحلة التقليدية إلى مرحلة أكثر تطوراً، وانتقال الممارسة الإعلامية من الشكل التقليدي إلى شكل أكثر عصرية، يتسم و يحترم التخصص في مختلف المجالات.
·       يوفر الإعلام المتخصص للمتخصصين فرصاً متعددة لنشر دراساتهم والتعبير عن أفكارهم، وتسليط الضوء على إبداعاتهم وابتكاراتهم.

3 التعليقات

شكرا جدا لهذا الموضوع العظيم والجديد وارجوا ذكر المصادر لهذا الموضوع الحديث 💖


الإبتساماتإخفاء