الإعلام البترولي في الوطن العربي الآفاق والتحديات


د. عبدالله بدران

بعد أن كثرت مجالات الحياة وتشعبت ميادينها وتطورت حقولها ، صار التخصص في مجال ما أمرا لا غنى عنه ولا حيدة عن الخوض فيه ، سعيا نحو الإبداع في هذا المجال والإلمام بكل ما يرتبط به ، وتطوير آفاقه ، والتركيز على جميع تفاصيله وجزئياته.
 وانطلاقا من ذلك نشأت الحاجة إلى وجود أنواع من الإعلام المتخصص في ميادين تطلبت ذلك الأمر ، وبات أمرا حيويا لها ، وضروريا لفهم مكوناتها وأقسامها وموضوعاتها فهما عميقا شاملا ، كالإعلام الاقتصادي والرياضي والأمني والعسكري والبيئي.
 والإعلام البترولي هو نوع من الإعلام المتخصص يستهدف صناعة تعد من أهم الصناعات الحيوية في العالم ، إذا لم تكن أهمها على الإطلاق ، ويرتبط بميدان ساهم في تطور البشرية ورقيها وتقدمها ، وساعد على النهوض بالأمم والمجتمعات ، وزيادة ترابطها وتلاقيها ، وتعزيز الصلات فيما بينها.
 وعلى الرغم من الدراسات الكثيرة التي تطالب بإحلال الطاقات البديلة (المتجددة) بدلا من الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم الحجري) ، والاستثمارات الكبيرة التي وجهت إلى هذه الطاقة ، والتوقعات باحتمال نضوب النفط والغاز بعد مدة زمنية قصيرة ، والدعوات إلى الحد من استخدام البترول ومنتجاته في ميادين الصناعة والنقل والمواصلات ، فلا تزال هذه السلعة الحيوية تؤدي دورا لا غنى عنه في عدد من مجالات الحياة الأساسية ، ولا تزال التوقعات العلمية الموضوعية تشير إلى وجود احتياطيات كبيرة منها.
    وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للإعلام البترولي ، والدور الكبير المنشود منه ، فإنه لم يأخذ حظه من البحث والدراسة في الدول التي تنتج هذه السلعة الحيوية وتصدرها، ولاسيما العربية ، ولم يول الاهتمام المطلوب على صعيد تلك الدول ومؤسساتها المعنية بالبترول ومنتجاته، في حين استفادت الدول الغربية من مميزات هذا الإعلام المتخصص وخصائصه ، وسخرتها لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها وتلبية متطلباتها .

   النشأة والمسيرة
      لا يمكن للباحث أن يعرف بصورة دقيقة تاريخ ظهور أول وسيلة إعلامية متخصصة بالبترول وقضاياه ، أو أولى المواد الإعلامية التي نشرت عن هذا المجال ، وإن كانت الصحف هي الوسيلة الإعلامية الأولى التي شهدت التركيز على تلك القضايا.
   ويمكن القول إن الإعلام البترولي بدأ بداية متواضعة في منتصف القرن العشرين عندما أخذت وسائل الإعلام الغربية تبث وتنشر مواد خبرية عن كل ما يتعلق بالبترول ، بعد أن أخذت هذه الصناعة الحيوية بالازدهار والانتشار ، وغدا البترول سلعة لا يمكن الاستغناء عنها في القطاع الصناعي الذي كان يشهد حينذاك فورة هائلة في الإنتاج ، وحينما ازداد عدد وسائل النقل والمواصلات بصورة كبيرة جدا.
   ولم يحظ الإعلام البترولي بانتشار واسع واهتمام بالغ في ذلك الوقت ، لأن الشركات الدولية حينذاك كانت تقرر أسعار النفط ، وكانت الأسعار ثابتة تقريبا ، وفي الوقت نفسه كانت ميزانيات الدول المصدرة للنفط محددة بالريع البسيط الذي تدفعه تلك الشركات للحكومات ، وكان من المعروف - إلى حد كبير – الدخل السنوي من النفط.
وفي الوطن العربي فإن الإعلام البترولي يعد ظاهرة حديثة وجدت في أواسط السبعينيات. وقبل ذلك لم يكن في الوطن العربي إلا عدد قليل جدا من الباحثين والإعلاميين يتابع القضايا البترولية ، ويتحدث عن أهمية هذه السلعة الحيوية وضرورة الاهتمام بها.
و حداثة الإعلام البترولي هذه من الأسباب الرئيسية لعدم وجود إعلاميين عرب متخصصين في القضايا البترولية ، هذا إذا استثنينا العدد القليل من الاقتصاديين العرب الذين أسهموا على مدى السنوات الماضية في تقديم دراسات علمية قيمة عن الصناعة البترولية بمختلف جوانبها. وهذا الأمر تغير في السنوات الأخيرة إذ أخذ الاهتمام بالإعلام البترولي يشهد ازديادا مطردا في وسائل الإعلام المختلفة ، وخصصت عدد من الدول العربية إدارات خاصة بهذا الإعلام المتخصص في وزارات الطاقة والنفط فيها.
ولعل حظر الدول العربية النفط عن الدول التي ساندت إسرائيل في الحرب التي نشبت بينها وبين العرب في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1973 كانت بداية الزخم الكبير للإعلام البترولي على الصعيد العالمي ، حين أخذت وسائل الإعلام الغربية تبث وتنشر مواد إعلامية كثيرة عن ذلك الحظر وأصدائه وآثاره على العالم أجمع ، وعلى الدول الغربية بصورة خاصة ، وتنشر بالتوازي مع ذلك مواد إعلامية عن العرب تستهدف تشويه صورتهم والحط من مكانتهم .
وفي الربع الأخير من ذلك العام طغت المواد الإعلامية المرتبطة بالحظر البترولي على أي قضية مثارة في العالم ، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية ، ومن ثم كانت المواد الإعلامية البترولية صاحبة الرصيد الأعلى من المساحات في الصحف والمجلات ووكالات الأنباء ، والحجم الأكبر في البث الإذاعي والتلفزيوني.
وأدركت دول مجلس التعاون الخليجي أهمية الإعلام البترولي ، وضرورته الماسة لها ، فأنشأت في أعقاب المؤتمر الرابع لوزراء العمل في دول الخليج العربية الذي عقد في شهر فبراير بالبحرين عام 1979 ( لجنة الإعلام البترولي لدول الخليج العربية).
     وهذه اللجنة مثلت محاولة جادة للاهتمام بالإعلام البترولي ، وشقت طريقها بنجاح ، وحققت تقدما ملحوظا في الحقول التي خاضتها، فكانت قناة أو منبرا أمكن من خلالها لعدد من الكفاءات العربية المتخصصة في القضايا البترولية أن يشرحوا وجهة النظر العربية من هذه القضايا ، إما بالكتب أو المحاضرات والندوات أو المقابلات والأحاديث الصحفية والتلفزيونية.
واستطاعت هذه اللجنة خلال مدة وجيزة ، وبفضل التعاون الوثيق مع منظمة (أوابك) ، تزويد المكتبة البترولية بعدد من الكتب والدراسات العلمية القيمة وباللغات المختلفة، لكن للأسف الشديد توقف عمل تلك اللجنة ولم يعد أحد يسمع عنها شيئا ، وربما كان السبب قلة المخصصات المالية المطلوبة لهذا النوع من الإعلام .

الإعلام البترولي:المفهوم والأهداف
     يعد الإعلام البترولي أحد أنواع الإعلام المتخصص الذي سبق التعريف به وبخصائصه في الفصل السابق، ويشهد اهتماما بالغا نظرا لارتباطه بقضايا البترول بصورة رئيسية وقضايا الاقتصاد والبيئة والسياسة بصورة فرعية ، وهذه القضايا الرئيسية والفرعية أضحت قضايا جوهرية تهم العالم بأسره ، وتحظى بعناية شديدة من جميع الدول و المنظمات الدولية ، إضافة إلى عدد كبير من المنظمات والهيئات غير الحكومية.
 والمشكلة التي يواجهها الباحثون بهذا الصدد هي تحديد توجهات وآراء من يقف وراء وجهة النظر التي تعَرِف الإعلام البترولي ، فالتعريف يخضع لوجهات نظر متباينة بين الدول المنتجة والصناعية المستهلكة ، وكل منها تحاول أن تعرف هذا الإعلام بما يخدم توجهاتها ومصالحها ، وبما ينسجم مع الأهداف التي تضعها.
    لكن يمكن بصفة إجمالية تعريف الإعلام البترولي بأنه نوع من الإعلام المتخصص يرمي إلى نشر المعلومات والبيانات عن البترول والأمور المرتبطة به ، بهدف تبصير الجمهور بكل ما يتعلق بهذا المجال الحيوي ، وإحداث وعي مناسب حياله.
     والإعلام البترولي في الدول العربية ليس مجرد أخبار تنشرها الصحف والمجلات ، ولا صور تبثها محطات التلفزيون ، ولا رسائل تتبناها الحملات الإعلامية ، ولا محاضرات توعوية تلقى أمام شرائح المجتمع ، بل هو عمل منظم تشارك فيه أكثر من جهة ، ويرمي إلى تحقيق أهداف عدة ، يرنو إليها القائمون عليه ، ويتطلع إلى إنجازها واضعو خططه المدركون لأهمية الأدوار المنوطة به.
وهذه الأهداف تعبر عن مبادئ ورؤى وخطط القائمين على الإعلام البترولي ، وتنطلق من تطلعاتهم وتصوراتهم وأفكارهم ، وتنسجم مع الأسس التي وضعتها المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية التي تعنى بالإنتاج والتسويق.
وتعبر النقاط الآتية عن أهم الأهداف التي يرنو الإعلام البترولي إلى تحقيقها:
1.     تشكيل الوعي البترولي بهدف المساهمة في تعزيز وعي المواطنين بالصناعة النفطية وما يرتبط بها.
2.     نشر الثقافة النفطية لدى الجمهور ، وتعريفه بأهم الأمور المرتبطة بهذه الصناعة الحيوية.
3.  نقل الأخبار والمواضيع البترولية للجمهور ، وتزويدهم بالمعلومات ذات الصلة بالبترول ، وإعلامهم بكل جديد بهذا الصدد محلياً وعالمياً .
4.  طرح القضايا البترولية وتقديمها بصورة مبسطة وشاملة للجمهور ، بهدف زيادة وعيهم بأبعاد هذه القضايا ، وآثارها عليهم كأفراد.
5.  توضيح دور البترول ، صناعة وعوائد، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول المنتجة والدول النامية ، ودوره في دعم النظام الاقتصادي والنقدي في الدول الصناعية .
6.  الرد على الحملات الإعلامية المتجنية التي دأبت الدول الصناعية على شنها ضد الدول المنتجة للبترول منذ مطلع السبعينيات متهمة إياها بتخريب اقتصاداتها، ومتعمدة تشويه دور هذه الدول وطمس جهودها الحقيقية من أجل التنمية الشاملة.
7.  تعميق النظرة الدولية للقضايا البترولية باعتبارها تهم المجتمع الدولي بأسره ، ولا تقف أحيانا عند إقليم ما ، أو ترتبط بمنطقة معينة.
8.  نقل وجهات النظر العلمية حول النظريات المطروحة التي تتناول آثار البترول في تدهور البيئة ، والاستناد إلى أكثر تلك الآراء والنظريات صحة ومنطقية وموضوعية.



الإعلام البترولي والتعاون العربي
    ثمة عدد من الوظائف المهمة التي يحققها الإعلام البترولي ، وثمة باحثون يرون أن أهم وظيفتين لهذا الإعلام المتخصص على الصعيد العربي هما :
1 – وظيفة اجتماعية :
 تتعلق هذه الوظيفة أساسا بالوطن العربي ككل، بما في ذلك الدول الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة (أوابك). فوسائل الإعلام والاتصال عامل مهم في مجموعة المؤثرات التي تؤدي إلى تنمية المجتمع وتحديثه ، فهي قادرة على توسعة الآفاق والمدارك بالحصول على معلومات عن خبرات الآخرين ، وعلى إذكاء طموحات الشعوب ، والمساعدة على إيجاد الدوافع لتحسين الطرق والممارسات والأوضاع الاجتماعية، كما أن الإعلام البترولي قادر على تثقيف الناس بصورة عامة في مجالات الصناعة النفطية والطاقة وتوقعاتها المستقبلية، وهكذا يمكن للإعلام القيام بدور الأداة الناقلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستويين القومي والإقليمي في أرجاء الوطن العربي.
 ويمكن للإعلام البترولي العربي أن يؤدي دورا حيويا لتحقيق التعاون العربي الذي يصعب تحقيقه من دون إيجاد تبادل إعلامي يدرك الناس من خلاله الميزات والفوائد التي ستعود عليهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، وحتى حضاريا ، من جراء هذا التعاون المنشود.
 2ـ تحقيق التكامل العربي:
    تعد هذه الوظيفة هي الوظيفة الأساسية للإعلام البترولي ، فالبترول لا يستطيع أداء دور كوسيلة للتنمية والتحديث والتعاون العربي في عالم الاقتصاد فحسب، بل بمقدوره كذلك أن يكون وسيلة لتحقيق تكامل إقليمي شامل.
   والجمع بين موارد كالبترول ورأس المال واليد العاملة والمهارة الفنية أدى دورا مهما بصفته الوسيلة الوحيدة لإيجاد صناعة بترولية قابلة للتطبيق، وإدراك هذا العامل أصبح هو القوة الدافعة لتحقيق التكامل الإقليمي.
  وما زالت الدول العربية في سعيها لتحقيق الوحدة تتوجه دائما إلى الجانب السياسي في هذه القضية ، ولم توفق في ذلك حتى الآن ، أما الإعلام البترولي الفعال فبمقدوره توضيح حقيقة أن القوى الاقتصادية - ولو في قطاع البترول على الأقل - أخذت تؤدي دورها ، وأن توجها معينا لخدمة التكامل العربي بدأ يأخذ شكله وأبعاده فعلا.
النهوض بالإعلام البترولي العربي
    لاشك في أن الإعلام البترولي العربي يعاني  - كغيره من أنواع الإعلام المتخصص – صعوبات كثيرة ، ويواجه معوقات عديدة في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة منه ، وأداء الدور المنوط به .
     ويمكن الحديث بهذا الصدد عن معوقات مهنية تتعلق بالقائم بالاتصال (الإعلامي) والرسالة الإعلامية المتميزة والبيانات والمعلومات الضرورية ، ومعوقات مالية وإدارية . وبصورة عامة يمكن الحديث عن الأسس التي تستهدف النهوض بهذا النوع من الإعلام المتخصص في الدول العربية ، وتعزيز دوره ، وترسيخ مكانته.
 وتتمثل هذه الأسس في الأمور الآتية:

·   أن تتوافر لدى المسؤولين عن الصناعة البترولية والإعلام البترولي عزيمة صادقة وصحيحة للاهتمام الشديد بمعالجة القضايا النفطية والاعتراف بمواقع القصور والسعي إلى معالجتها.
·        اتباع سياسات وطنية تعزز التطوير المنهجي والمنظم للبنية الأساسية للإعلام البترولي.
·   إنشاء مؤسسات إعلامية بترولية في الدول المنتجة للبترول والمصدرة له لإعداد إعلاميين بتروليين على مستوى عالٍ من الكفاءة والمهارة.
·   إنشاء مكاتب إعلامية بترولية في الدول الصناعية المستوردة للنفط لمتابعة ما يكتب عن الإعلام البترولي العربي والسعي إلى الرد على هذه الكتابات وتوضيح الحقائق للرأي العام الغربي.
·        ضرورة التعاون العربي في مجال الإعلام البترولي ، وضرورة الاعتماد المتبادل في ضمان مصلحة البشرية.
·   ضرورة الإدراك العميق لدى الإعلامي البترولي للجوانب الفنية والاقتصادية والأبعاد السياسية لصناعة النفط والغاز، ودورها في توفير الطاقة اللازمة للنمو الاقتصادي ، ومن ثم أبعادها الاستراتيجية على صعيد المصالح السياسية لبلدان العالم.
·   توفير المعلومات الدقيقة والبيانات الكافية للإعلاميين البتروليين العرب وإعطاء الحرية اللازمة لهم للكتابة عن القضايا النفطية والدفاع عن المصالح العربية.
·   ربط الإعلام البترولي العربي بخطط التنمية بتشعباتها وآثارها وآفاقها على الصعيد الداخلي ، وجعله عنصرا رئيسيا من عناصر المصالح الحيوية للدول المنتجة ، بما في ذلك أمنها واستقرارها
·   تعزيز دور الإعلام البترولي العربي في التوعية العامة للأهمية الاقتصادية للبترول، وبخاصة علاقته بالاقتصاد الوطني ككل، وارتباطه بمجالات الحياة الحيوية.
·   التنسيق بين المطبوعات الخاصة بالمعلومات والبيانات البترولية الصادرة عن الدول العربية ، وإتاحة هذه المعلومات للإعلاميين البتروليين العرب.
·        التعاون بين المؤسسات البترولية ووسائل الإعلام العربية لتوفير تغطية إعلامية مناسبة لجميع القضايا البترولية.
انت في أقدم موضوع


الإبتساماتإخفاء