بسام
فتوح
اتسعت
تغطية المسائل النفطية في الصحافة الغربية في السنوات الأخيرة، ما يعكس تحولات
بنيوية في صناعة النفط وتطور سياسة الطاقة. لكن بعض وسائل الإعلام الغربية لا يزال
يحشر السياسة النفطية العربية في إطار عف عنه الزمن متجذر في الحظر النفطي العربي
عام 1973 .
وعلى
رغم أن إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي من النفط لم يتعد 25 في المئة من الإنتاج
العالمي في 2013، في حين سجلت دول مثل الولايات المتحدة وروسيا نسبة إنتاج من
الوقود السائل تفوق تلك التي سجلتها السعودية، تظهر في الصحافة الغربية نزعة
مستمرة للافتراض أن منظمة «أوبك»، خصوصاً أبرز دولة عضو فيها، وهي السعودية، تفرض
سيطرتها الكاملة على سوق النفط.
كتب
جيمس وولسي في صحيفة «وول ستريت جورنال»، مثلاً، أن الولايات المتحدة، على رغم
الزيادة الأخيرة التي سجلها إنتاجها النفطي، «تبقى عاجزة عن إيجاد طريقة للتخلص من
سيطرة أوبك على السوق العالمية». وكتب نيك بتلر في صحيفة «فاينانشال تايمز» أن
قسماً كبيراً من السلطة التي تتمتع بها السعودية حالياً يكاد يقتصر على عامل نفسي
إذ يعتقد الناس أن المملكة إذ تحكمت بالأسعار في الماضي، ستستمر في ذلك إلى الأبد.
وسط
هذه المواقف المتطرفة التي تعطي السعودية إما السيطرة المطلقة أو السلطة النفسية
فقط، ثمة توافق على أن سياسة الإنتاج في السعودية تنطوي على تأثيرات كبيرة في قطاع
النفط وديناميكيات سوق النفط حتى عندما تقرر المملكة «التحكم بالأمور وفق ظروف
السوق».
وتعليقاً
على قرار السعودية الأخير بعدم خفض الإنتاج من جانب واحد، كتبت أمريتا سين في
صحيفة «فاينانشال تايمز»: «كان من شأن قرار أوبك بعدم التدخل وعناد السعودية تلقين
السوق دروساً منها أنه لا ينبغي اعتبار السلطة التي تنفرد بها أوبك وأهم دولة
منتجة فيها أمراً مفروغاً منه وأنهما قد تكونان على استعداد لتحقيق أهداف طويلة
الأمد، حتى على حساب الإيرادات القصيرة الأمد».
وتميل
بعض وسائل الإعلام الغربية إلى وضع السياسة النفطية العربية في إطار جيوسياسي.
ووفق هذا النهج، لا تقوَّم السياسة الاقتصادية في ضوء وضعها الحالي، بل في ضوء
الظروف التي تمليها عليها الجغرافيا السياسية. وبالتالي يُعتبر القرار الأخير بعدم
خفض الإنتاج بمثابة هجوم على إيران وروسيا وصناعة النفط الصخري في الولايات
المتحدة، وفق أقوال معلقين. وعجز بعض وسائل الإعلام الغربية عن تقبل حقيقة أن
السياسات النفطية الحالية قد تكون مبنية على مبادئ اقتصادية رشيدة تهدف إلى خدمة
مصالح هذه البلدان الاقتصادية والتجارية الطويلة الأمد.
ويحلو
لبعض وسائل الإعلام الغربية وضع السياسة النفطية العربية في إطار معركة مستمرة بين
الغرب (وكذلك بلدان الشرق الناشئة) و«أوبك» التي نعاها كثر بدعوى أنها لا يمكن أن
تتراجع عن موقفها على رغم أن التجارب السابقة تشير إلى خلاف ذلك. ويتعلق جزء من
هذه الحرب بعناوين المقالات المنشورة، أي الحاجة إلى استقطاب اهتمام القراء في سوق
وسائل الإعلام التي تحتدم فيها المنافسة بين الأطراف. ويبرز نوع من الكسل المتراكم
على مدى التاريخ ونهج «اللعبة الكبرى» في موضوع النفط الذي لم يتطور كثيراً منذ
ظهور هذه الصناعة في أوائل القرن العشرين.
وتعكس
مواقف كهذه عدداً من الفرضيات، مثل أن العلاقات الأميركية - الخليجية تقودها
المصالح النفطية، وأن السياسة الخارجية الأميركية يفرضها البحث عن مصادر نفطية في
العالم العربي. لكن الواقع يقول إن الواردات الأميركية من النفط العربي، حتى قبل
الزيادة الأخيرة في الإنتاج الأميركي، تمثل جزءاً بسيطاً من الواردات النفطية
الأميركية الإجمالية، ما وضع الولايات المتحدة دائماً في وضع يمكّنها من الاستغناء
تماماً عن النفط العربي.
ويذهب
جزء بسيط من صادرات النفط من الإمارات وقطر إلى الولايات المتحدة والجزء الأكبر
إلى آسيا. أما الصادرات السعودية إلى أميركا، ومعظمها لتغذية مصاف سعودية هناك،
فتتقلب وفق ظروف السوق وأسعار النفوط المرجعية في مناطق مختلفة من العالم. وهذا
يعني أن صادرات دول مجلس التعاون الخليجي من النفط إلى الولايات المتحدة محكومة
بعوامل السوق والاعتبارات التجارية.
وفي
المحصلة، لا بد من القول إن كلاً من وسائل الإعلام الغربية وصانعي السياسات
العربية يضطلعون بمسؤولية مشتركة وهي تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة وتجنُب تلك التي
بدأت بالظهور، وهذه مهمة صعبة بالتأكيد. ففي وسائل الإعلام الغربية، تتميز بعض
جذور المشكلة بكونها هيكلية في طبيعتها وترتبط بعوامل مثل نقص في المعرفة الأساسية
والخبرة اللازمة لتغطية القضايا الدقيقة لسوق النفط، والضغط لخفض التكاليف، وضغط
الوقت لإنتاج أخبار ترضي المستخدمين في مجال الإعلام وبعض وجهات النظر المنحازة
التي بدا صعباً التخلُص منها على مر السنين.
وفي
العالم العربي، تبدو المشكلة هيكلية أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن طريقة الترويج
للسياسة والتعامل مع وسائل الإعلام الغربية أنتجتها خبرات قديمة ومناهج تقليدية لا
تزال جامدة جداً، ما يحول دون تعاملها مع التحديات والتعقيدات الجديدة التي تطرحها
سوق النفط. ويشكل التحول إلى الوسائط الافتراضية في وسائل الإعلام الغربية في شكل
جزئي رداً على غياب الثقافة في ما يتعلق بصناعة السياسات في الدول العربية. إذاً،
قد تقطع الشفافية والالتزام الجاد بالانفتاح شوطاً طويلاً قبل تبديد بعض الخرافات
والمفاهيم الخاطئة عن العرب ودورهم في سوق النفط.
الإبتساماتإخفاء