الإعلام البترولي والأسعار..أي إعلام نريد ؟


د. عبدالله بدران
   
    منذ أن بدأت أسعار النفط بالتراجع في الأسواق العالمية قبل نحو أربعة أشهر، ازداد ظهور المحللين النفطيين والاقتصاديين في وسائل الإعلام كافة للحديث عن أسباب ذلك الانخفاض وتداعياته على الدول المنتجة والمستوردة، واحتمال وجود مؤامرات مختلفة بهذا الصدد بين عدد من الدول العربية والإقليمية والعالمية، ومآلات ذلك كله على الأوضاع السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية في عدد من مناطق العالم.
    وكان اللافت في هذا الشأن هو الإعلام العربي الذي أخذ ينقل تلك التحليلات ، ويبث اللقاءات تلو اللقاءات ، مع كل ما تتضمنه من تناقضات في معظم الأحيان ، ومعلومات مكررة ومتداولة يعرفها المتخصص وغير المتخصص ، فيما حملت بعض الآراء أفكارا لا يمكن قبولها ولا التسليم بها بل يمكن اعتبارها محض خيالات وأحلام؛ لأنها لا تستند إلى أي دليل علمي ، ولا تعتمد أي منهج منطقي مقبول.
 صحيح أن وسائل الإعلام يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كل الآراء في برامجها ، وتقف حيادية حيال تحليل أصحابها ورؤيتهم للأحداث ، احتراما لسماتها المهنية من حيث الموضوعية والنزاهة، لكنها في الوقت نفسه يجب ألا تسمح للأفكار السطحية بالانتشار، ولا لأصحابها ذوي الضحالة الفكرية والتحليلية والمعرفية بالظهور.
     من هنا ننطلق إلى الدور الذي كان على الإعلام البترولي ، وأخص في هذه المقالة الإعلام البترولي في الوطن العربي، أن يؤديه في موضوع انخفاض أسعار النفط الذي صار حديث الساعة ، والمحور الأساسي للمنتديات والمؤتمرات الاقتصادية والسياسية والنفطية إقليميا وعالميا.
    فالناظر إلى حال الإعلام البترولي في الوطن العربي – بشقيه الإعلام المرتبط بوزارات النفط والمؤسسات النفطية الحكومية أو الصادر عن القطاع الخاص ، سيجد أن التعامل مع هذا الموقف ساده اضطراب شديد في التعامل مع الزخم الإخباري الوارد بشأن مشكلة أسعار النفط من جهة ، أو البساطة والضعف في الطرح والاهتمام من جهة أخرى . ويمكن استثناء قلة قليلة من وسائل الإعلام التي كانت تغطيتها أكثر نضجا وشمولية. ولعل هذا الأمر يقدم صورة واضحة وجلية عن حال الإعلام البترولي في الوطن العربي .
    وإذا كنا للإعلام البترولي الخاص ظروفه وقيوده فإن العتب ينصب على الإعلام البترولي الرسمي الذي غاب المتحدثون الرسميون فيه عن هذه الأزمة ، كما غاب في معظم الأحيان المحللون المتميزون العاملون في القطاع الحكومي – وزارات النفط والمؤسسات النفطية الكبرى وحتى أوابك – عن وسائل الإعلام ، فلم تصل المعلومات السليمة في أوانها ، لم يدرك الجمهور العربي حقيقة الوضع أو بعض الحقائق على الأقل ، ولم يعرف مآلات انخفاض الأسعار وتداعياته ، وظل أسير تحليلات عامة وآراء متناقضة
      ويمكن القول – مع مزيد من الأسف – إنه على الرغم من الأهمية الكبيرة للإعلام البترولي ، والدور الحيوي المنشود منه ، فإنه لم يأخذ حظه من البحث والدراسة في الدول العربية التي تنتج هذه السلعة الحيوية وتصدرها، ولم يول الاهتمام المطلوب على صعيد تلك الدول ومؤسساتها العريقة المعنية بالبترول ومنتجاته، ولم يتطور التطور المأمول في ضوء التطورات الكبيرة التي شهدها الإعلام ، في حين استفادت الدول الغربية والمتطورة من إمكاناتها الإعلامية وخبراتها المهنية ، فاستطاعت تسخير الإعلام البترولي لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها.
     إن الإعلام البترولي المنشود في الدول العربية ليس مجرد أخبار تنشرها الصحف والمجلات ، ولا صور تبثها محطات التلفزيون ، ولا رسائل تتبناها الحملات الإعلامية ، ولا محاضرات توعوية تلقى أمام شرائح المجتمع ، ولا تحليلات من معنيين بالشأن النفطي والاقتصادي ، بل هو عمل منظم تشارك فيه أكثر من جهة ، ويرمي إلى تحقيق أهداف عدة ، يرنو إليها القائمون عليه ، ويتطلع إلى إنجازها واضعو خططه المدركون لأهمية الأدوار المنوطة به. وهذه الأهداف تعبر عن مبادئ ورؤى وخطط القائمين على الإعلام البترولي ، لاسيما في الجهات الرسمية، وتنطلق من تطلعاتهم وتصوراتهم وأفكارهم ، وتنسجم مع الأسس المهنية المتعارف عليها في علم الإعلام.
   لاشك في أن الإعلام البترولي عربيا يعد ظاهرة حديثة وجدت في أواسط السبعينيات ؛ فقبل ذلك لم يكن في الوطن العربي إلا عدد قليل جدا من الباحثين والإعلاميين يتابع القضايا البترولية ، ويتحدث عن أهمية هذه السلعة الحيوية وضرورة الاهتمام بها. و حداثة الإعلام البترولي ربما تعتبر من الأسباب الرئيسية لعدم وجود إعلاميين عرب متخصصين في القضايا البترولية ، هذا إذا استثنينا العدد القليل من الاقتصاديين العرب الذين أسهموا على مدى السنوات الماضية في تقديم دراسات علمية عن الصناعة البترولية بمختلف جوانبها. لكن هذا الأمر تغير في السنوات الأخيرة إذ أخذ الاهتمام بالإعلام البترولي يشهد ازديادا مطردا في وسائل الإعلام المختلفة ، وخصصت عدد من الدول العربية إدارات خاصة بهذا الإعلام المتخصص في وزارات الطاقة والنفط فيها. لكن يبقى هذا النوع من الإعلام المتخصص بحاجة إلى المزيد من التطوير والتدريب والاهتمام.
    وحسب علم الكاتب فإن هنالك نقصا شديدا بل مخجلا في الدراسات والكتب التي تطرقت إلى الإعلام البترولي العربي ، فلا يوجد بهذا الصدد سوى كتابين أحدهما أصدرته منظمة (أوابك)  قبل نحو ثلاثة عقود ، والآخر أصدره الكاتب قبل أربعة أعوام ، كما تفتقد المكتبة العربية لأي رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه متخصصة في الإعلام البترولي ، إضافة إلى قلة – أو غياب - الصفحات في الصحف أو المساحات البرامجية التلفازية المخصصة لذلك الإعلام ، أو الدورات التدريبية المتخصصة.

  نحو نهضة إعلامية بترولية
    لاشك في أن الإعلام البترولي العربي يعاني  - كغيره من أنواع الإعلام المتخصص – صعوبات كثيرة ، ويواجه معوقات عديدة في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة منه ، وأداء الدور المنوط به .  ويمكن الحديث بهذا الصدد عن معوقات مهنية تتعلق بالقائم بالاتصال (الإعلامي) والرسالة الإعلامية المتميزة والبيانات والمعلومات الضرورية ، ومعوقات مالية وإدارية . وبصورة عامة يمكن الحديث عن الأسس التي تستهدف النهوض بهذا النوع من الإعلام المتخصص في الدول العربية ، وتعزيز دوره ، وترسيخ مكانته.
 وتتمثل هذه الأسس في الأمور الآتية:

·   أن تتوافر لدى المسؤولين عن الصناعة البترولية والإعلام البترولي عزيمة صادقة وصحيحة للاهتمام الشديد بمعالجة القضايا النفطية والاعتراف بمواقع القصور والسعي إلى معالجتها.
·        اتباع سياسات وطنية تعزز التطوير المنهجي والمنظم للبنية الأساسية للإعلام البترولي.
·   إنشاء مؤسسات إعلامية بترولية في الدول المنتجة للبترول والمصدرة له لإعداد إعلاميين بتروليين على مستوى عالٍ من الكفاءة والمهارة.
·   إنشاء مكاتب إعلامية بترولية في الدول الصناعية المستوردة للنفط لمتابعة ما يكتب عن الإعلام البترولي العربي والسعي إلى الرد على هذه الكتابات وتوضيح الحقائق للرأي العام الغربي.
·        ضرورة التعاون العربي في مجال الإعلام البترولي ، وضرورة الاعتماد المتبادل في ضمان مصلحة البشرية.
·   ضرورة الإدراك العميق لدى الإعلامي البترولي للجوانب الفنية والاقتصادية والأبعاد السياسية لصناعة النفط والغاز، ودورها في توفير الطاقة اللازمة للنمو الاقتصادي ، ومن ثم أبعادها الاستراتيجية على صعيد المصالح السياسية لبلدان العالم.
·   توفير المعلومات الدقيقة والبيانات الكافية للإعلاميين البتروليين العرب وإعطاء الحرية اللازمة لهم للكتابة عن القضايا النفطية والدفاع عن المصالح العربية.
·   ربط الإعلام البترولي العربي بخطط التنمية بتشعباتها وآثارها وآفاقها على الصعيد الداخلي ، وجعله عنصرا رئيسيا من عناصر المصالح الحيوية للدول المنتجة ، بما في ذلك أمنها واستقرارها
·   تعزيز دور الإعلام البترولي العربي في التوعية العامة للأهمية الاقتصادية للبترول، وبخاصة علاقته بالاقتصاد الوطني ككل، وارتباطه بمجالات الحياة الحيوية.
·   التنسيق بين المطبوعات الخاصة بالمعلومات والبيانات البترولية الصادرة عن الدول العربية ، وإتاحة هذه المعلومات للإعلاميين البتروليين العرب.
·        التعاون بين المؤسسات البترولية ووسائل الإعلام العربية لتوفير تغطية إعلامية مناسبة لجميع القضايا البترولية.
·        عقد دورات تدريبية متخصصة للإعلاميين البتروليين العاملين في القطاعين العام والخاص يقدمها خبراء معنيون بالإعلام والثقافة النفطية.


الإبتساماتإخفاء