هل يتسع عالم النفط لعملاقين منتجَين مسيطرَين؟

عمدت شركات حفر الزيت الصخري إلى عدم التسرع في إعادة نشاط عملياتها، كما تمكنت من إيجاد طرق بديلة لتحقيق المال عند أسعار معتدلة إلى حد ما، غير أنها ستقوم بمزيد من عمليات الحفر إذا شهدت أسعار النفط ارتفاعاً بطريقة مستدامة.
هذا ما يبدو عليه حال سوق النفط في سنة 2016، إذ تتركز أنظار التجار والمستثمرين على حد سواء بقوة في الآونة الأخيرة على ما سوف يفضي إليه اجتماع منظمة أوبك في الجزائر من تحول في أسعار النفط.
وقد تعهدت الدول الأعضاء في هذه المنظمة بتحقيق خفض في انتاج الخام وذلك لأول مرة منذ 8 سنوات على الأقل، كما أن أنظار منظمة أوبك كانت تتركز بقوة مماثلة على ما يحدث في حقول الزيت الصخري الوفيرة من حوض بيرميان في تكساس الى تشكيلات باكن في سهول داكوتا الشمالية حيث تستعد شركات الاستكشاف لحفر المزيد من الآبار.
وقد مثل اعلان الجزائر أكثر من مجرد كتاب نوايا، وقال الأعضاء الـ 14 في منظمة أوبك إنهم سوف يقلصون انتاج النفط بكمية تتراوح بين 240000 الى 740000 برميل في اليوم من مستواه في الوقت الراهن الذي يبلغ 33.24 مليون برميل يومياً. وكانت تلك الرسالة كافية من أجل دفع سعر برميل النفط الى الارتفاع بنسبة وصلت الى 5 في المئة، ولكن منظمة أوبك على الرغم من ذلك عمدت الى تأجيل تنفيذ هذا الخفض البسيط في الانتاج حتى موعد انعقاد اجتماعها التالي المقرر في الثلاثين من شهر نوفمبر المقبل – ولعل ما هو أكثر أهمية من ذلك هو تأجيل الهدف الحساس والمسبب للخلاف والذي يتعلق بمن سوف يخفض الانتاج والكمية المطلوبة لتحقيق تلك الغاية.
مواقف البنوك
واللافت أن محللي البنوك لم يكترثوا بشدة بهذا التطور، كما أن سيتي غروب أصدر تقريراً الى المستثمرين تحت عنوان «منظمة أوبك تدفع الكرة الى الطريق من جديد»، أما تقرير بنك باركليز فجاء تحت عنوان «منظمة أوبك تعمل لحفظ ماء الوجه وتؤجل القرار الى شهر نوفمبر المقبل».
في غضون ذلك – وفي الولايات المتحدة – عمدت شركات حفر الزيت الصخري التي تريثت وخفضت انفاق رأس المال مع هبوط أسعار النفط الى عدم التسرع في اعادة النشاط الى عملياتها من جديد فيما تمكنت من ايجاد طرق بديلة من أجل تحقيق المال عند أسعار معتدلة الى حد ما. وتستعد هذه الشركات للقيام بمزيد من عمليات الحفر في حال شهدت أسعار النفط ارتفاعاً بطريقة مستدامة، ثم إن عدد منصات حفر الزيت الصخري، على الرغم من بلوغها ربع مستوى الذروة الذي حققته في سنة 2011، قد عادت الى الرقم 511 مرتفعة بـ 107 منصات منذ وصولها الى النقطة الأدنى في شهر مايو، بحسب معلومات صدرت عن عملاقة الحفر بيكر هيوز.
وفي رسالة عبر البريد الالكتروني، قال سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة «بايونير تاتشرال ريسورسز»، التي تعتبر واحدة من أكبر شركات الزيت الصخري، إن الشركة قد أضافت في الوقت الراهن 5 منصات حفر جديدة وسوف تقوم باضافة 6 منصات اخرى في سنة 2017 بحيث يصل المجموع الى 23 منصة.
ومضى شيفيلد الى القول بأنه يتوقع أن يصل انتاج النفط في الولايات المتحدة – الذي هبط بنسبة 1.1 مليون برميل في اليوم من مستوى الذروة الى حالة «استقرار» خلال النصف الأول من العام المقبل ثم يبدأ بالارتفاع من جديد في النصف الثاني.
ويمكن القول – بشكل فعلي – إن سوق النفط في الوقت الحالي يتمتع بإثنين من المنتجين المقررين والمسيطرين لديهما القدرة الجيولوجية والمالية من أجل زيادة أو خفض الانتاج. ويذكر أن المنتج المسيطر التقليدي – المملكة العربية السعودية – كانت طوال وقت طويل ترفع أسعار النفط عن طريق خفض انتاجها من الخام، ولكن المملكة عمدت خلال عامين الى ضخ النفط عند مستويات عالية في محاولة تهدف الى التمسك بحصة سوقية، وهي تأمل أن تبقي الاستهلاك العالمي عند معدلات عالية، وبالتالي ابعاد المنتجين من خارج منظمة أوبك عن مشاريع الاستكشاف المكلفة.
المنتجة المسيطرة الأخرى
الجهة المنتجة المسيطرة الاخرى هي صناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المعروف أن الشركات في تلك الصناعة على استعداد لإضافة مزيد من الإنتاج في كل مرة تبدأ فيها أسعار النفط بالارتفاع.
ويقول أنطوان هاف، وهو مسؤول رفيع سابق لدى وكالة الطاقة الدولية ويشغل الآن منصب زميل في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، إن «الزيت الصخري على الرغم من أنه يشكل تحدياً بطريقة مؤثرة لمنظمة أوبك في الأجل القصير إلا أنه لا يستطيع الاستمرار بشكل جيد في ظل الوقائع الجديدة».
ولم يكن الاستقرار والتوازن من سمات أسواق النفط على الاطلاق، كما أن تأثيرات تغيرات الأسعار تتأخر بسبب الوقت الذي تحتاج اليه الاستثمارات من أجل اظهار نتائج في عمليات الإنتاج. والتباين الصغير نسبياً – ما بين 2 في المئة الى 5 في المئة من الأسواق العالمية – يمكن أن يولد تغيرات ضخمة في الأسعار نظراً لأن المستهلكين لا يستطيعون الاستغناء عن النفط، وخلال العقد الماضي راوحت الأسعار بين أقل من 30 دولاراً وأكثر من 100 دولار للبرميل.
وعلى أي حال، يعتقد العديد من المحللين الآن أن الأسعار يمكن أن تستمر عند 40 دولاراً الى 55 دولاراً للبرميل بسبب التعديلات التي نجمت عن توجهات منظمة أوبك وشركات الزيت الصخري الأميركية، وهذه أنباء جيدة بالنسبة الى سائقي السيارات الأميركيين والميزان التجاري في الولايات المتحدة التي لاتزال تعول بشدة على النفط المستورد.
تجاوز الاستهلاك العالمي
وقد تجاوز الإنتاج العالمي في هذه السنة مستويات الاستهلاك البالغة 97 مليون برميل في اليوم، فيما تنتظر المملكة العربية السعودية ومنظمة أوبك أن يتحسن الاستهلاك، ولكن ذلك قد يتطلب وقتاً أطول من المتوقع. وقالت وكالة الطاقة الدولية في آخر تقرير شهري لها إن أعمدة «نمو الطلب – وخاصة الهند والصين – تتذبذب وقد ارتفع مخزون النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى مستويات لم نشهدها من قبل».
ويثير اجتماع الجزائر السؤال التالي: هل ضمنت المملكة العربية السعودية حصتها السوقية، ونجحت في ابعاد المنافسين من خارج منظمة أوبك عن مشاريع جديدة؟
ويقول هاف إن السياسة السعودية منذ شهر نوفمبر سنة 2014 «كانت منطقية تماماً، وسجلت قدراً من النجاح»، كما أن المملكة والعراق والجارات الأصغر في الخليج العربي «استعادت بعضاً من حصتها السوقية وحددت أرضية للأسعار»، ولكن نجاحها كان بطيئاً ومحدوداً ويظل هشاً كما أن السعر هبط الى نصف ما كانت تستهدفه».
وقال شيفيلد من «بايونير» إن المملكة العربية السعودية «نجحت في وقف انتاج الزيت الصخري في الولايات المتحدة»، وقد هبط انتاج الخام الأميركي من مستوى الذروة البالغ 9.6 ملايين برميل يومياً في شهر يونيو من عام 2015 الى مستواه الحالي البالغ 8.5 ملايين برميل وذلك بحسب ادارة معلومات الطاقة الأميركية، وبعد سنة 2008 عندما انتشرت تقنية حفر الزيت الصخري على نطاق واسع ارتفع انتاج الولايات المتحدة الى حوالي 4.5 مليون برميل يومياً.
وأضاف شيفيلد أن انتاج النفط الأميركي في الوقت الراهن «سوف ينمو بوتيرة أبطأ»، وأنه ما دام سعر النفط عند حوالي 50 دولاراً الى 55 دولاراً لبرميل فإن مشاريع الاستكشاف الجديدة وخاصة مشاريع المياه العميقة» يجب ألا تتقدم «، ولكنه قال إنه عند ارتفاع السعر فوق 60 دولاراً «سوف نعود الى الحلقة ذاتها من جديد».
وحتى عند الأسعار الحالية يستمر الانتاج من خارج منظمة أوبك بشكل جيد، وقد لاحظ شيفيلد أن النرويج عكست سنوات من هبوط انتاجها وهي تنتج في الوقت الراهن عند المستويات العالية التي كانت عليها في سنة 2011، كما أن «امداد روسيا وصل الى حافة نمو جديدة».
ومن شأن هذا كله أن يعقد الأمور بالنسبة الى منظمة «أوبك» التي كانت تتحكم في أسعار النفط الخام بدرجات متفاوتة من النجاح منذ فترة الحظر النفطي في سنة 1973.
وقال ادوارد مورس وهو رئيس بحوث السلع العالمية في سيتي غروب: «من يظن أن هذه يشكل عودة الى أوبك القديمة يتعين عليه أن يفكر بجدية أكبر في الظروف الجديدة لعالم يعج بالزيت الصخري وبنمو أدنى في الطلب».
وأضاف: «اذا وصلت أسعار النفط الى 55 دولاراً للبرميل أو أكثر من ذلك فسوف نشهد نمواً في انتاج الزيت الصخري من جديد، واظن أن المملكة العربية السعودية تفهم ذلك وتضع حدوداً لما يمكن أن تقوم به منظمة أوبك. ولست أظن أن السعودية تقول: نحن سوف نعود الى دور البنك المركزي للنفط، وهي تسعى الى تحقيق الحد الأعلى من العوائد».
محنة «أوبك»
ويرى مورس أن أسعار النفط البالغة ما بين 50 دولاراً و60 دولاراً سوف تكون كافية من أجل تحفيز منتجي الزيت الصخري على العودة بقوة الى مسار نمو ايجابي وربما الى نقطة ليس الى زيادة الانتاج بمعدل مليون برميل في اليوم لسنة واحدة بل لرؤية نمو مستدام لعدة سنوات – وبالتالي اكتساب حصة سوقية على حساب منظمة أوبك.
وأضاف أن «هذه هي المحنة التي تواجهها منظمة أوبك في عصر الزيت الصخري، واذا قامت المملكة العربية السعودية بدور أكثر نشاطاً فإن تأثير السعر سوف يقتصر على الأطراف الصغيرة اذا لم تكن راغبة في فقدان الكثير من حصتها السوقية لصالح الزيت الصخري».
وقد أثار اجتماع الجزائر أيضاً مسألة ما اذا كانت منظمة أوبك قادرة على تحقيق أول خفض في إنتاج النفط منذ الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 عندما خفض الركود الاقتصادي العالمي بشدة الطلب على النفط، وقالت منظمة أوبك إنها سوف تعيد احياء حصص الدول ولكن في آخر مرة حاولت فيها القيام بفرض حصص أثارت عداوات قديمة واحتياجات اقتصادية مختلفة على نطاق واسع.
وتهدف إيران، وهي منافسة السعودية، وقد تأثرت بالعقوبات الاقتصادية، الى تحسين انتاجها من النفط ليصل الى 4 ملايين برميل يومياً أو ما يعادل 12 في المئة من إنتاج منظمة أوبك مرتفعة عن مستوياتها الحالية البالغة حوالي 3.8 مليون برميل، كما أن العراق الذي يحارب تنظيم داعش الإرهابي ويعمل لإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب لا يريد أيضاً خفض انتاجه من النفط.
وتسعى فنزويلا وليبيا ونيجيريا الى استعادة مستويات الإنتاج التي تعثرت نتيجة النزاعات السياسية على الرغم من عدم وجود مؤشرات على قدرة أي منها على استعادة الاستقرار الداخلي.
08-10-2016
جريدة الجريدة

القلقون إزاء تأثيرات تغير المناخ استثمروا في ميدان الطاقة النظيفة

 
يرسم المستثمرون الذين يأخذون في اعتبارهم قضية المناخ صورة غير محددة، ولكن ذلك لا يعني أن كل استثمار يجب أن يهدف بالضرورة إلى توظيف رأس المال في ميادين الطاقة النظيفة.
يشعر العديد من المستثمرين حول العالم بقلق متزايد اليوم حول الوجهة التي يتعين الاستثمار بها في ضوء طائفة من التطورات التي تشهدها ميادين الاقتصاد المحلية والخارجية ولأسباب غدت معروفة على نطاق واسع، لعل أبرزها هو تغير المناخ.
وقال تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز بداية سبتمبر الجاري إن تغير المناخ اجتذب أخيرا اهتمام قادة العالم الذين يسعون جاهدين الى مكافحة الاحتباس الحراري، ولكن كما يبدو فإن المستثمرين يركزون جل اهتمامهم على تحقيق الحد الأقصى من العوائد، وهم يجهلون كيفية تأثير تغير المناخ على محافظهم الاستثمارية، ولم تصدر، حتى الآن، ردة فعل عملية منهم لمواجهة هذه المشكلة.
وبحسب ديفيد ريتشاردسون، وهو رئيس التسويق لدى شركة ادارة الأصول امباكس، التي طرحت المسألة على حوالي 300 مستثمر لمعرفة رأيهم ازاء تغير المناخ، فإن المثير للدهشة هو أن المستثمرين، ورغم اقرارهم بحجم المشكلة، فإنهم يعتقدون أنها لن تؤثر على محافظهم.
وتبين من هذه الدراسة أن أكثر من نصف من شملهم الاستطلاع قالوا إنهم يشعرون بقلق ازاء تغير المناخ ولكن أكثر من 40 في المئة منهم لديهم استثمارات في الوقود الحفري.
ويقول جيسون بارون، وهو مدير محافظ لدى شركة استراتيجية الاستثمار يو اس تراست، إنه لمس الحال نفسه من التباين بين الأقوال والأفعال من خلال دراسة سنوية أجرتها الشركة بالاشتراك مع جامعة انديانا.
ونسب بارون ذلك الى نقص توجيه العملاء من جانب المستشارين الذين لم يكونوا أيضاً على اطلاع واسع على مدى المشكلة.
ويذكر ريتشاردسون أن سبب ذلك يرجع الى حقيقة كون تغير المناخ يتم بصورة بطيئة، ولذلك لا توجد حاجة ملحة الى القيام بعمل فوري، مضيفا أن "أحد التحديات التي واجهها العالم في معالجته لهذه المشكلة يتمثل في أنها كانت تعتبر من النوع الطويل الأجل، وهذا ما يعترف المستثمرون به الذين يعتقدون أنها لن تؤثر على محافظهم في وقت قريب".
ويقر بأن تغير المناخ كظاهرة لن يؤثر خلال خمس سنوات أو عشر سنوات، ولكن ثمة أخطارا تتعلق بالسياسة والأنظمة ذات الصلة في الأجل القصير.
ويقول تقرير الصحيفة إن الأنظمة التي يشير اليها ريتشاردسون قد تتمحور حول فرض ضريبة كربون على الصناعات الثقيلة مثل النفط والغاز والطاقة والمواصلات، والتي ستؤثر على أرباح تلك الشركات العاملة في تلك الصناعات.
وعلى الرغم من ذلك يرسم المستثمرون الذين يأخذون في اعتبارهم قضية المناخ صورة غير محددة، فإن ذلك لا يعني أن كل استثمار يجب أن يهدف بالضرورة الى توظيف رأس المال في ميادين الطاقة النظيفة.
وبحسب تقرير شركة امباكس فإن نحو ثلث الأشخاص الذين يشعرون بقلق ازاء تأثيرات تغير المناخ على محافظهم قد استثمروا في ميدان الطاقة النظيفة.
ويضيف ريتشاردسون أنه لا يفضل اتباع المستثمرين الأفراد لاستراتيجية تجريد حتى بالنسبة الى الوقود الحفري، قائلا إن على اولئك الأشخاص البحث عن سبل لتحديد تطبيق الأنظمة، وأولها ما يتعلق بالنوعية القذرة من الوقود الحفري مثل الفحم ورمال القار ثم الغاز الطبيعي.
وتتمثل الاستراتيجية الأكثر شيوعاً في البحث عن شركات في صناعات تقليدية تأخذ في اعتبارها تغير المناخ في عملياتها العادية ثم التحول بمرور الوقت الى استثمارات أكثر صداقة للبيئة.
ويوضح التقرير أن ماثيو ميزرلي يطرح ثلاثة خيارات للاستثمار مع الاهتمام بتغير المناخ وهي:
1 – الجانب الأخلاقي المتعلق بما اذا كانت الاستثمارات تجعل تغير المناخ أكثر سوءا.
2 – هل تستطيع أسواق رأس المال تمويل حل لتغير المناخ؟
3 – التفكير في احتمال فرض سعر أو تنظيم حول الكربون، وهذا يعني بالضرورة أخذ ذلك في الاعتبار على شكل خطر محتمل في الاستثمار.
ثم إن وضع الطاقة سيختلف بعد عقد من الزمن عما هو عليه في الوقت الراهن، وستشهد الأسواق حالات من الربح والخسارة.
ويؤكد ميزرلي أن من غير المقبول في المستقبل أن تستثمر من دون الاهتمام بمسألة تغير المناخ مع اعترافه بصعوبة القيام بذلك الآن. ويعتمد اقتصاد العالم على النفط في شتى جوانبه وهو يدخل بقوة في حياتنا اليومية من ركوب الطائرات وقيادة السيارات وتدفئة المنازل. ومن هذا المنطلق يرى الخبراء أن لا أحد يفكر في إعطاء أولوية الى مسألة تغير المناخ في سياق تحديد الميدان الأفضل للاستثمار بالمستقبل.
نقلا عن جريدة الجريدة
14 - 9

دور الطاقة في تحفيز النمو الاقتصادي

روبرت أيرس، استاذ فخري في علوم السياسة والاقتصاد وإدارة التقنية لدى كلية إنسياد
من المستغرب عدم وجود إدارك حقيقي لدور قطاع الطاقة كمحرك فاعل للنمو الاقتصادي.
مضت ست سنوات تقريباً على انهيار بنك ليمان براذرز واندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان مسيرة التعافي بطيئة خلال الفترة التي تلتها، وتعطلت آلية السياسة المالية نتيجة الخلافات الواقعية والصراعات الأيدولوجية بين المدافعين عن خفض الضرائب وأولئك المتخوفون من زيادة عجز الموازنات الحكومية.
ركزت السياسة المالية على تخفيض تكلفة الأموال بالنسبة للبنوك، على أمل أن تقوم البنوك بزيادة الإقراض للشركات،وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، وهي الفئة الأكبر من حيث عدد الموظفين والأكبر من حيث عدد فرص العمل، لكن لسوء الحظ، لم تكن البنوك متعاونة في هذا الجانب، خاصة وأنها اضطرت لتلبية معايير الحد من المخاطر التي فرضها بنك التسويات الدولي "بي آي إس" في بازل.
إن عدم استثمار المال في الاقتصاد الحقيقي قد يخلق فقاعة أخرى، فقد يتجه للعقار أو فقاعة في سوق السلع، كالمعادن النادر أو حتى النفط، وقد تكون في سوق الأسهم، وشكل هذا الواقع جزء أساسياً في صفحات الصحافة الاقتصادية التي حللت جميع الكلمات التي ألقاها رئيس الاحتياطي الفدرالي، وبالنسبة للإعلاميين المتخصصين، فإن النماذج الاقتصادية السائدة تركز على الطلب المدفوع بالناتج المحلي الإجمالي، لكن النظرية الأكاديمية للنمو الاقتصادي ونسبة كبيرة من نماذج التوازن الاقتصادي ما تزال تهمل أو تقلل من دور الطاقة، مما أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة من توصيات السياسات الاقتصادية كما تم الإعلان عنها قبل التطبيق، حيث ركزت على تحفيز الطلب من خلال طبع النقود، أو بوصف أدق، من خلال تخفيض كلفة الأموال.
في كتابي الصادر حديثاً بعنوان: "اقتصاد الفقاعة: هل يمكن تحقيق النمو المستدام؟" قمت بتوضيح الفجوة الموجودة حالياً في الفكر الاقتصادي فيما يتعلق بدور الطاقة. ففي حال أدى تخفيض معدلات الفائدة إلى زيادة الطلب المجمع بالقدر الكافي بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة، تكون مشكلة النمو والبطالة قد انتهت.
لكن المشكلة الحقيقية أن خفض كلفة المال لا تحفز الطلب بالشكل الكافي كما كان عليه الحال في السابق، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن ارتفاع الطلب يستلزم المزيد من الطاقة، مما يرفع أسعار الطاقة.
خلال القرنين الماضيين، ومنذ انطلاق الثورة الصناعية، لطالما توافرت الطاقة بكميات كبيرة وبتكلفة محدودة، وباتت في عداد المسلمات كداعم أساسي للنشاط الصناعي، لكن تلك الحقبة شارفت على الانتهاء مع اقتراب مرحلة ذروة النفط، أي التي يصل خلالها انتاج النفط إلى الذروة، والتي يرى البعض أنها حدثت في 2005، وتكمن المشكلة أن النفط هو الوقود السائل الوحيد تقريباً المطلوب لتشغيل محركات الاحتراق الداخلي في المصانع، وهذه المحركات تحدث الحركة ، فهي تشغل منظومة النقل والمواصلات بأكملها، باستثناء القطارات الكهربائية، بالإضافة إلى الزراعة الممكننة، وآليات الإنشاء والتعدين، وبالتالي فإن ارتفاع سعرالنفط سيعرقل أي نمو اقتصادي في المستقبل.
لا يتم أخذ الطاقة بعين الاعتبار من قبل المنظرين الاقتصاديين الذين يؤلفون الكتب ويطورون النماذج الاقتصادية إلا ما ندر، حيث يعتمدون على نظرية تقول بارتباط دور الطاقة كمحرك للنمو الاقتصادي مع حصتها من الميزانية العامة لكل بلد، إذ تعتبر النماذج الاقتصادية السائدة أن النمو الاقتصادي يعتمد على الطلب الاستهلاكي الذي يربتط مع الواقع السكاني، أي توافر اليد العاملة، بالإضافة إلى الاستثمار من المدخرات بشكل رئيسي، والمشكلة هنا أن معظم تلك النماذج تهمل دور الطاقة ولا يتم اعتبارها عامل أساسياً في الانتاج.
ونظراً لانخفاض مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي الاجمالي إلى أقل من 5 % خلال السنوات الـ25 الماضية، فإنها لا تدخل ضمن حسابات النماذج الاقتصادية التي تعتمدها مؤسسات على غرار مؤسسة التعاون والتنمية الاقتصادية أو صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر أن النمو يأتي مدفوعاً بتوافر اليد العاملة ورأس المال.
تستأثر قضايا الطاقة بحصة ضئيلة من التحليلات والمقالات في الصحافة العالمية، إلا في حال حدوث أزمات في الشرق الأوسط، لذا يعتبر القراء أن المال هو أساس الحركة الاقتصادية في العالم، لكن رأس المال لا يكون فاعلاً ومنتجاً دون تفعيل دور الطاقة، كما أن توافر اليد العاملة أو حتى توافر الثروة الحيوانية تحتاج للغذاء، فهو ضروري حتى للمجهود الذهني الذي يستهلك 30% من الحريرات في الطعام. إذاً فالطاقة هي أساس حركة العالم.
لا يتم تناول ارتفاع أسعار النفط وآثارها الارتدادية بشكل موسع ضمن النقاشات الدولية التي تعالج التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكن ارتفاع أسعار النفط كان عاملاً مساهماً في الأزمة المالية الأخيرة وغيرها من الأزمات التي شهدها العالم في السابق، ومع مرور الوقت، يزداد الدور السلبي وأثره خاصة مع توقع استمرار ارتفاع أسعار النفط، وخاصة مع مع ارتفاع الطلب من الصين والدول النامية والذي وصل إلى مستويات توازي العرض في سوق النفط، بينما تنخفض تكلفة استكشاف حقول النفط الجديدة، لكن ذلك يأتي مع انخفاض مخزونات النفط الجديدة غير المستكشفة.
بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط، تنخفض أسعار الطاقة البديلة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية أو تلك المعتمدة على الرياح أو طاقة أمواج البحر، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف تقنيات تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة على غرار العزل الحراري والتخزين وغيرها، ويأتي ذلك مع اتساع حجم ودور هذه المصادر بالتوازي مع التطور الذي تشهده، ومن المتوقع أن يتواصل انخفاض أسعار الطاقة البديلة من توسع وارتفاع معدلات وقنوات انتاجها.
ومع توجه أسعار الطاقة البديلة إلى مستويات توازي تكلفة الطاقة الكهربائي،بات من الضروري أخذ ارتفاع أسعار النفط بالتوازي مع انخفاض أسعار الطاقة البديلة بعين الاعتبار لدورها الحيوي في وضع الاقتصاد على طريق النمو المستدام.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وانفخاض تكلفة نظيرتها البديلة، تبرز العديد من الفرص الاستثمارية على المدى الطويل، وخاصة للمستثمرين الأذكياء للفوز بعوائد مالية مجزية.
يلعب القطاع الخاص دوراً هاماً في توجه التركيز على الطاقة البديلة، بالرغم من أن آليات استثمار رؤوس أموال ضخمة في مثل هذه المصادر ليست واضحة بالشكل الكامل بعد، حيث يكمن التحدي الرئيسي في تطوير طريقة لربط القيمة السوقية الحالية مع الأصول غير القابلة للتسييل، أي خلق السوق للطاقة البديلة، لكنها ليست مستحيلة بالنسبة لوول ستريت، حيث تم تطبيق طرق مماثلة عبر الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية من قبل مؤسسات مثل "سالمون براذرز" و"فيرست بوسطن" والتي جنت أموال هائلة نتيجة ذلك.
إن هذه السياسة الاستثمار تطبق من قبل صناديق رأس المال المخاطر وشركات التعدين وغيرها، وقد فشل البعض فيم نجح آخرون بما يبرر الوسيلة.
فالمشكلة تكمن في الجمع بين استثمارات تولد عوائد كبيرة لكن متناقصة وتمتد على المدى القصير، على غرار آبار النفط، مع الاستثمارات التي تولد عوائد ضئيلة لكنها تنمو وترتفع تدريجياً على المدة الطويل، على غرار الزراعة.

دور الطاقة في تحفيز النمو الاقتصادي

روبرت أيرس، استاذ فخري في علوم السياسة والاقتصاد وإدارة التقنية لدى كلية إنسياد
من المستغرب عدم وجود إدارك حقيقي لدور قطاع الطاقة كمحرك فاعل للنمو الاقتصادي.
مضت ست سنوات تقريباً على انهيار بنك ليمان براذرز واندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان مسيرة التعافي بطيئة خلال الفترة التي تلتها، وتعطلت آلية السياسة المالية نتيجة الخلافات الواقعية والصراعات الأيدولوجية بين المدافعين عن خفض الضرائب وأولئك المتخوفون من زيادة عجز الموازنات الحكومية.
ركزت السياسة المالية على تخفيض تكلفة الأموال بالنسبة للبنوك، على أمل أن تقوم البنوك بزيادة الإقراض للشركات،وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، وهي الفئة الأكبر من حيث عدد الموظفين والأكبر من حيث عدد فرص العمل، لكن لسوء الحظ، لم تكن البنوك متعاونة في هذا الجانب، خاصة وأنها اضطرت لتلبية معايير الحد من المخاطر التي فرضها بنك التسويات الدولي "بي آي إس" في بازل.
إن عدم استثمار المال في الاقتصاد الحقيقي قد يخلق فقاعة أخرى، فقد يتجه للعقار أو فقاعة في سوق السلع، كالمعادن النادر أو حتى النفط، وقد تكون في سوق الأسهم، وشكل هذا الواقع جزء أساسياً في صفحات الصحافة الاقتصادية التي حللت جميع الكلمات التي ألقاها رئيس الاحتياطي الفدرالي، وبالنسبة للإعلاميين المتخصصين، فإن النماذج الاقتصادية السائدة تركز على الطلب المدفوع بالناتج المحلي الإجمالي، لكن النظرية الأكاديمية للنمو الاقتصادي ونسبة كبيرة من نماذج التوازن الاقتصادي ما تزال تهمل أو تقلل من دور الطاقة، مما أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة من توصيات السياسات الاقتصادية كما تم الإعلان عنها قبل التطبيق، حيث ركزت على تحفيز الطلب من خلال طبع النقود، أو بوصف أدق، من خلال تخفيض كلفة الأموال.
في كتابي الصادر حديثاً بعنوان: "اقتصاد الفقاعة: هل يمكن تحقيق النمو المستدام؟" قمت بتوضيح الفجوة الموجودة حالياً في الفكر الاقتصادي فيما يتعلق بدور الطاقة. ففي حال أدى تخفيض معدلات الفائدة إلى زيادة الطلب المجمع بالقدر الكافي بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة، تكون مشكلة النمو والبطالة قد انتهت.
لكن المشكلة الحقيقية أن خفض كلفة المال لا تحفز الطلب بالشكل الكافي كما كان عليه الحال في السابق، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن ارتفاع الطلب يستلزم المزيد من الطاقة، مما يرفع أسعار الطاقة.
خلال القرنين الماضيين، ومنذ انطلاق الثورة الصناعية، لطالما توافرت الطاقة بكميات كبيرة وبتكلفة محدودة، وباتت في عداد المسلمات كداعم أساسي للنشاط الصناعي، لكن تلك الحقبة شارفت على الانتهاء مع اقتراب مرحلة ذروة النفط، أي التي يصل خلالها انتاج النفط إلى الذروة، والتي يرى البعض أنها حدثت في 2005، وتكمن المشكلة أن النفط هو الوقود السائل الوحيد تقريباً المطلوب لتشغيل محركات الاحتراق الداخلي في المصانع، وهذه المحركات تحدث الحركة ، فهي تشغل منظومة النقل والمواصلات بأكملها، باستثناء القطارات الكهربائية، بالإضافة إلى الزراعة الممكننة، وآليات الإنشاء والتعدين، وبالتالي فإن ارتفاع سعرالنفط سيعرقل أي نمو اقتصادي في المستقبل.
لا يتم أخذ الطاقة بعين الاعتبار من قبل المنظرين الاقتصاديين الذين يؤلفون الكتب ويطورون النماذج الاقتصادية إلا ما ندر، حيث يعتمدون على نظرية تقول بارتباط دور الطاقة كمحرك للنمو الاقتصادي مع حصتها من الميزانية العامة لكل بلد، إذ تعتبر النماذج الاقتصادية السائدة أن النمو الاقتصادي يعتمد على الطلب الاستهلاكي الذي يربتط مع الواقع السكاني، أي توافر اليد العاملة، بالإضافة إلى الاستثمار من المدخرات بشكل رئيسي، والمشكلة هنا أن معظم تلك النماذج تهمل دور الطاقة ولا يتم اعتبارها عامل أساسياً في الانتاج.
ونظراً لانخفاض مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي الاجمالي إلى أقل من 5 % خلال السنوات الـ25 الماضية، فإنها لا تدخل ضمن حسابات النماذج الاقتصادية التي تعتمدها مؤسسات على غرار مؤسسة التعاون والتنمية الاقتصادية أو صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر أن النمو يأتي مدفوعاً بتوافر اليد العاملة ورأس المال.
تستأثر قضايا الطاقة بحصة ضئيلة من التحليلات والمقالات في الصحافة العالمية، إلا في حال حدوث أزمات في الشرق الأوسط، لذا يعتبر القراء أن المال هو أساس الحركة الاقتصادية في العالم، لكن رأس المال لا يكون فاعلاً ومنتجاً دون تفعيل دور الطاقة، كما أن توافر اليد العاملة أو حتى توافر الثروة الحيوانية تحتاج للغذاء، فهو ضروري حتى للمجهود الذهني الذي يستهلك 30% من الحريرات في الطعام. إذاً فالطاقة هي أساس حركة العالم.
لا يتم تناول ارتفاع أسعار النفط وآثارها الارتدادية بشكل موسع ضمن النقاشات الدولية التي تعالج التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكن ارتفاع أسعار النفط كان عاملاً مساهماً في الأزمة المالية الأخيرة وغيرها من الأزمات التي شهدها العالم في السابق، ومع مرور الوقت، يزداد الدور السلبي وأثره خاصة مع توقع استمرار ارتفاع أسعار النفط، وخاصة مع مع ارتفاع الطلب من الصين والدول النامية والذي وصل إلى مستويات توازي العرض في سوق النفط، بينما تنخفض تكلفة استكشاف حقول النفط الجديدة، لكن ذلك يأتي مع انخفاض مخزونات النفط الجديدة غير المستكشفة.
بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط، تنخفض أسعار الطاقة البديلة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية أو تلك المعتمدة على الرياح أو طاقة أمواج البحر، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف تقنيات تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة على غرار العزل الحراري والتخزين وغيرها، ويأتي ذلك مع اتساع حجم ودور هذه المصادر بالتوازي مع التطور الذي تشهده، ومن المتوقع أن يتواصل انخفاض أسعار الطاقة البديلة من توسع وارتفاع معدلات وقنوات انتاجها.
ومع توجه أسعار الطاقة البديلة إلى مستويات توازي تكلفة الطاقة الكهربائي،بات من الضروري أخذ ارتفاع أسعار النفط بالتوازي مع انخفاض أسعار الطاقة البديلة بعين الاعتبار لدورها الحيوي في وضع الاقتصاد على طريق النمو المستدام.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وانفخاض تكلفة نظيرتها البديلة، تبرز العديد من الفرص الاستثمارية على المدى الطويل، وخاصة للمستثمرين الأذكياء للفوز بعوائد مالية مجزية.
يلعب القطاع الخاص دوراً هاماً في توجه التركيز على الطاقة البديلة، بالرغم من أن آليات استثمار رؤوس أموال ضخمة في مثل هذه المصادر ليست واضحة بالشكل الكامل بعد، حيث يكمن التحدي الرئيسي في تطوير طريقة لربط القيمة السوقية الحالية مع الأصول غير القابلة للتسييل، أي خلق السوق للطاقة البديلة، لكنها ليست مستحيلة بالنسبة لوول ستريت، حيث تم تطبيق طرق مماثلة عبر الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية من قبل مؤسسات مثل "سالمون براذرز" و"فيرست بوسطن" والتي جنت أموال هائلة نتيجة ذلك.
إن هذه السياسة الاستثمار تطبق من قبل صناديق رأس المال المخاطر وشركات التعدين وغيرها، وقد فشل البعض فيم نجح آخرون بما يبرر الوسيلة.
فالمشكلة تكمن في الجمع بين استثمارات تولد عوائد كبيرة لكن متناقصة وتمتد على المدى القصير، على غرار آبار النفط، مع الاستثمارات التي تولد عوائد ضئيلة لكنها تنمو وترتفع تدريجياً على المدة الطويل، على غرار الزراعة.

دور الطاقة في تحفيز النمو الاقتصادي

روبرت أيرس، استاذ فخري في علوم السياسة والاقتصاد وإدارة التقنية لدى كلية إنسياد
من المستغرب عدم وجود إدارك حقيقي لدور قطاع الطاقة كمحرك فاعل للنمو الاقتصادي.
مضت ست سنوات تقريباً على انهيار بنك ليمان براذرز واندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان مسيرة التعافي بطيئة خلال الفترة التي تلتها، وتعطلت آلية السياسة المالية نتيجة الخلافات الواقعية والصراعات الأيدولوجية بين المدافعين عن خفض الضرائب وأولئك المتخوفون من زيادة عجز الموازنات الحكومية.
ركزت السياسة المالية على تخفيض تكلفة الأموال بالنسبة للبنوك، على أمل أن تقوم البنوك بزيادة الإقراض للشركات،وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، وهي الفئة الأكبر من حيث عدد الموظفين والأكبر من حيث عدد فرص العمل، لكن لسوء الحظ، لم تكن البنوك متعاونة في هذا الجانب، خاصة وأنها اضطرت لتلبية معايير الحد من المخاطر التي فرضها بنك التسويات الدولي "بي آي إس" في بازل.
إن عدم استثمار المال في الاقتصاد الحقيقي قد يخلق فقاعة أخرى، فقد يتجه للعقار أو فقاعة في سوق السلع، كالمعادن النادر أو حتى النفط، وقد تكون في سوق الأسهم، وشكل هذا الواقع جزء أساسياً في صفحات الصحافة الاقتصادية التي حللت جميع الكلمات التي ألقاها رئيس الاحتياطي الفدرالي، وبالنسبة للإعلاميين المتخصصين، فإن النماذج الاقتصادية السائدة تركز على الطلب المدفوع بالناتج المحلي الإجمالي، لكن النظرية الأكاديمية للنمو الاقتصادي ونسبة كبيرة من نماذج التوازن الاقتصادي ما تزال تهمل أو تقلل من دور الطاقة، مما أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة من توصيات السياسات الاقتصادية كما تم الإعلان عنها قبل التطبيق، حيث ركزت على تحفيز الطلب من خلال طبع النقود، أو بوصف أدق، من خلال تخفيض كلفة الأموال.
في كتابي الصادر حديثاً بعنوان: "اقتصاد الفقاعة: هل يمكن تحقيق النمو المستدام؟" قمت بتوضيح الفجوة الموجودة حالياً في الفكر الاقتصادي فيما يتعلق بدور الطاقة. ففي حال أدى تخفيض معدلات الفائدة إلى زيادة الطلب المجمع بالقدر الكافي بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة، تكون مشكلة النمو والبطالة قد انتهت.
لكن المشكلة الحقيقية أن خفض كلفة المال لا تحفز الطلب بالشكل الكافي كما كان عليه الحال في السابق، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن ارتفاع الطلب يستلزم المزيد من الطاقة، مما يرفع أسعار الطاقة.
خلال القرنين الماضيين، ومنذ انطلاق الثورة الصناعية، لطالما توافرت الطاقة بكميات كبيرة وبتكلفة محدودة، وباتت في عداد المسلمات كداعم أساسي للنشاط الصناعي، لكن تلك الحقبة شارفت على الانتهاء مع اقتراب مرحلة ذروة النفط، أي التي يصل خلالها انتاج النفط إلى الذروة، والتي يرى البعض أنها حدثت في 2005، وتكمن المشكلة أن النفط هو الوقود السائل الوحيد تقريباً المطلوب لتشغيل محركات الاحتراق الداخلي في المصانع، وهذه المحركات تحدث الحركة ، فهي تشغل منظومة النقل والمواصلات بأكملها، باستثناء القطارات الكهربائية، بالإضافة إلى الزراعة الممكننة، وآليات الإنشاء والتعدين، وبالتالي فإن ارتفاع سعرالنفط سيعرقل أي نمو اقتصادي في المستقبل.
لا يتم أخذ الطاقة بعين الاعتبار من قبل المنظرين الاقتصاديين الذين يؤلفون الكتب ويطورون النماذج الاقتصادية إلا ما ندر، حيث يعتمدون على نظرية تقول بارتباط دور الطاقة كمحرك للنمو الاقتصادي مع حصتها من الميزانية العامة لكل بلد، إذ تعتبر النماذج الاقتصادية السائدة أن النمو الاقتصادي يعتمد على الطلب الاستهلاكي الذي يربتط مع الواقع السكاني، أي توافر اليد العاملة، بالإضافة إلى الاستثمار من المدخرات بشكل رئيسي، والمشكلة هنا أن معظم تلك النماذج تهمل دور الطاقة ولا يتم اعتبارها عامل أساسياً في الانتاج.
ونظراً لانخفاض مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي الاجمالي إلى أقل من 5 % خلال السنوات الـ25 الماضية، فإنها لا تدخل ضمن حسابات النماذج الاقتصادية التي تعتمدها مؤسسات على غرار مؤسسة التعاون والتنمية الاقتصادية أو صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر أن النمو يأتي مدفوعاً بتوافر اليد العاملة ورأس المال.
تستأثر قضايا الطاقة بحصة ضئيلة من التحليلات والمقالات في الصحافة العالمية، إلا في حال حدوث أزمات في الشرق الأوسط، لذا يعتبر القراء أن المال هو أساس الحركة الاقتصادية في العالم، لكن رأس المال لا يكون فاعلاً ومنتجاً دون تفعيل دور الطاقة، كما أن توافر اليد العاملة أو حتى توافر الثروة الحيوانية تحتاج للغذاء، فهو ضروري حتى للمجهود الذهني الذي يستهلك 30% من الحريرات في الطعام. إذاً فالطاقة هي أساس حركة العالم.
لا يتم تناول ارتفاع أسعار النفط وآثارها الارتدادية بشكل موسع ضمن النقاشات الدولية التي تعالج التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكن ارتفاع أسعار النفط كان عاملاً مساهماً في الأزمة المالية الأخيرة وغيرها من الأزمات التي شهدها العالم في السابق، ومع مرور الوقت، يزداد الدور السلبي وأثره خاصة مع توقع استمرار ارتفاع أسعار النفط، وخاصة مع مع ارتفاع الطلب من الصين والدول النامية والذي وصل إلى مستويات توازي العرض في سوق النفط، بينما تنخفض تكلفة استكشاف حقول النفط الجديدة، لكن ذلك يأتي مع انخفاض مخزونات النفط الجديدة غير المستكشفة.
بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط، تنخفض أسعار الطاقة البديلة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية أو تلك المعتمدة على الرياح أو طاقة أمواج البحر، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف تقنيات تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة على غرار العزل الحراري والتخزين وغيرها، ويأتي ذلك مع اتساع حجم ودور هذه المصادر بالتوازي مع التطور الذي تشهده، ومن المتوقع أن يتواصل انخفاض أسعار الطاقة البديلة من توسع وارتفاع معدلات وقنوات انتاجها.
ومع توجه أسعار الطاقة البديلة إلى مستويات توازي تكلفة الطاقة الكهربائي،بات من الضروري أخذ ارتفاع أسعار النفط بالتوازي مع انخفاض أسعار الطاقة البديلة بعين الاعتبار لدورها الحيوي في وضع الاقتصاد على طريق النمو المستدام.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وانفخاض تكلفة نظيرتها البديلة، تبرز العديد من الفرص الاستثمارية على المدى الطويل، وخاصة للمستثمرين الأذكياء للفوز بعوائد مالية مجزية.
يلعب القطاع الخاص دوراً هاماً في توجه التركيز على الطاقة البديلة، بالرغم من أن آليات استثمار رؤوس أموال ضخمة في مثل هذه المصادر ليست واضحة بالشكل الكامل بعد، حيث يكمن التحدي الرئيسي في تطوير طريقة لربط القيمة السوقية الحالية مع الأصول غير القابلة للتسييل، أي خلق السوق للطاقة البديلة، لكنها ليست مستحيلة بالنسبة لوول ستريت، حيث تم تطبيق طرق مماثلة عبر الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية من قبل مؤسسات مثل "سالمون براذرز" و"فيرست بوسطن" والتي جنت أموال هائلة نتيجة ذلك.
إن هذه السياسة الاستثمار تطبق من قبل صناديق رأس المال المخاطر وشركات التعدين وغيرها، وقد فشل البعض فيم نجح آخرون بما يبرر الوسيلة.
فالمشكلة تكمن في الجمع بين استثمارات تولد عوائد كبيرة لكن متناقصة وتمتد على المدى القصير، على غرار آبار النفط، مع الاستثمارات التي تولد عوائد ضئيلة لكنها تنمو وترتفع تدريجياً على المدة الطويل، على غرار الزراعة.

دور الطاقة في تحفيز النمو الاقتصادي

روبرت أيرس، استاذ فخري في علوم السياسة والاقتصاد وإدارة التقنية لدى كلية إنسياد
من المستغرب عدم وجود إدارك حقيقي لدور قطاع الطاقة كمحرك فاعل للنمو الاقتصادي.
مضت ست سنوات تقريباً على انهيار بنك ليمان براذرز واندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان مسيرة التعافي بطيئة خلال الفترة التي تلتها، وتعطلت آلية السياسة المالية نتيجة الخلافات الواقعية والصراعات الأيدولوجية بين المدافعين عن خفض الضرائب وأولئك المتخوفون من زيادة عجز الموازنات الحكومية.
ركزت السياسة المالية على تخفيض تكلفة الأموال بالنسبة للبنوك، على أمل أن تقوم البنوك بزيادة الإقراض للشركات،وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، وهي الفئة الأكبر من حيث عدد الموظفين والأكبر من حيث عدد فرص العمل، لكن لسوء الحظ، لم تكن البنوك متعاونة في هذا الجانب، خاصة وأنها اضطرت لتلبية معايير الحد من المخاطر التي فرضها بنك التسويات الدولي "بي آي إس" في بازل.
إن عدم استثمار المال في الاقتصاد الحقيقي قد يخلق فقاعة أخرى، فقد يتجه للعقار أو فقاعة في سوق السلع، كالمعادن النادر أو حتى النفط، وقد تكون في سوق الأسهم، وشكل هذا الواقع جزء أساسياً في صفحات الصحافة الاقتصادية التي حللت جميع الكلمات التي ألقاها رئيس الاحتياطي الفدرالي، وبالنسبة للإعلاميين المتخصصين، فإن النماذج الاقتصادية السائدة تركز على الطلب المدفوع بالناتج المحلي الإجمالي، لكن النظرية الأكاديمية للنمو الاقتصادي ونسبة كبيرة من نماذج التوازن الاقتصادي ما تزال تهمل أو تقلل من دور الطاقة، مما أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة من توصيات السياسات الاقتصادية كما تم الإعلان عنها قبل التطبيق، حيث ركزت على تحفيز الطلب من خلال طبع النقود، أو بوصف أدق، من خلال تخفيض كلفة الأموال.
في كتابي الصادر حديثاً بعنوان: "اقتصاد الفقاعة: هل يمكن تحقيق النمو المستدام؟" قمت بتوضيح الفجوة الموجودة حالياً في الفكر الاقتصادي فيما يتعلق بدور الطاقة. ففي حال أدى تخفيض معدلات الفائدة إلى زيادة الطلب المجمع بالقدر الكافي بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة، تكون مشكلة النمو والبطالة قد انتهت.
لكن المشكلة الحقيقية أن خفض كلفة المال لا تحفز الطلب بالشكل الكافي كما كان عليه الحال في السابق، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن ارتفاع الطلب يستلزم المزيد من الطاقة، مما يرفع أسعار الطاقة.
خلال القرنين الماضيين، ومنذ انطلاق الثورة الصناعية، لطالما توافرت الطاقة بكميات كبيرة وبتكلفة محدودة، وباتت في عداد المسلمات كداعم أساسي للنشاط الصناعي، لكن تلك الحقبة شارفت على الانتهاء مع اقتراب مرحلة ذروة النفط، أي التي يصل خلالها انتاج النفط إلى الذروة، والتي يرى البعض أنها حدثت في 2005، وتكمن المشكلة أن النفط هو الوقود السائل الوحيد تقريباً المطلوب لتشغيل محركات الاحتراق الداخلي في المصانع، وهذه المحركات تحدث الحركة ، فهي تشغل منظومة النقل والمواصلات بأكملها، باستثناء القطارات الكهربائية، بالإضافة إلى الزراعة الممكننة، وآليات الإنشاء والتعدين، وبالتالي فإن ارتفاع سعرالنفط سيعرقل أي نمو اقتصادي في المستقبل.
لا يتم أخذ الطاقة بعين الاعتبار من قبل المنظرين الاقتصاديين الذين يؤلفون الكتب ويطورون النماذج الاقتصادية إلا ما ندر، حيث يعتمدون على نظرية تقول بارتباط دور الطاقة كمحرك للنمو الاقتصادي مع حصتها من الميزانية العامة لكل بلد، إذ تعتبر النماذج الاقتصادية السائدة أن النمو الاقتصادي يعتمد على الطلب الاستهلاكي الذي يربتط مع الواقع السكاني، أي توافر اليد العاملة، بالإضافة إلى الاستثمار من المدخرات بشكل رئيسي، والمشكلة هنا أن معظم تلك النماذج تهمل دور الطاقة ولا يتم اعتبارها عامل أساسياً في الانتاج.
ونظراً لانخفاض مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي الاجمالي إلى أقل من 5 % خلال السنوات الـ25 الماضية، فإنها لا تدخل ضمن حسابات النماذج الاقتصادية التي تعتمدها مؤسسات على غرار مؤسسة التعاون والتنمية الاقتصادية أو صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر أن النمو يأتي مدفوعاً بتوافر اليد العاملة ورأس المال.
تستأثر قضايا الطاقة بحصة ضئيلة من التحليلات والمقالات في الصحافة العالمية، إلا في حال حدوث أزمات في الشرق الأوسط، لذا يعتبر القراء أن المال هو أساس الحركة الاقتصادية في العالم، لكن رأس المال لا يكون فاعلاً ومنتجاً دون تفعيل دور الطاقة، كما أن توافر اليد العاملة أو حتى توافر الثروة الحيوانية تحتاج للغذاء، فهو ضروري حتى للمجهود الذهني الذي يستهلك 30% من الحريرات في الطعام. إذاً فالطاقة هي أساس حركة العالم.
لا يتم تناول ارتفاع أسعار النفط وآثارها الارتدادية بشكل موسع ضمن النقاشات الدولية التي تعالج التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكن ارتفاع أسعار النفط كان عاملاً مساهماً في الأزمة المالية الأخيرة وغيرها من الأزمات التي شهدها العالم في السابق، ومع مرور الوقت، يزداد الدور السلبي وأثره خاصة مع توقع استمرار ارتفاع أسعار النفط، وخاصة مع مع ارتفاع الطلب من الصين والدول النامية والذي وصل إلى مستويات توازي العرض في سوق النفط، بينما تنخفض تكلفة استكشاف حقول النفط الجديدة، لكن ذلك يأتي مع انخفاض مخزونات النفط الجديدة غير المستكشفة.
بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط، تنخفض أسعار الطاقة البديلة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية أو تلك المعتمدة على الرياح أو طاقة أمواج البحر، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف تقنيات تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة على غرار العزل الحراري والتخزين وغيرها، ويأتي ذلك مع اتساع حجم ودور هذه المصادر بالتوازي مع التطور الذي تشهده، ومن المتوقع أن يتواصل انخفاض أسعار الطاقة البديلة من توسع وارتفاع معدلات وقنوات انتاجها.
ومع توجه أسعار الطاقة البديلة إلى مستويات توازي تكلفة الطاقة الكهربائي،بات من الضروري أخذ ارتفاع أسعار النفط بالتوازي مع انخفاض أسعار الطاقة البديلة بعين الاعتبار لدورها الحيوي في وضع الاقتصاد على طريق النمو المستدام.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وانفخاض تكلفة نظيرتها البديلة، تبرز العديد من الفرص الاستثمارية على المدى الطويل، وخاصة للمستثمرين الأذكياء للفوز بعوائد مالية مجزية.
يلعب القطاع الخاص دوراً هاماً في توجه التركيز على الطاقة البديلة، بالرغم من أن آليات استثمار رؤوس أموال ضخمة في مثل هذه المصادر ليست واضحة بالشكل الكامل بعد، حيث يكمن التحدي الرئيسي في تطوير طريقة لربط القيمة السوقية الحالية مع الأصول غير القابلة للتسييل، أي خلق السوق للطاقة البديلة، لكنها ليست مستحيلة بالنسبة لوول ستريت، حيث تم تطبيق طرق مماثلة عبر الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية من قبل مؤسسات مثل "سالمون براذرز" و"فيرست بوسطن" والتي جنت أموال هائلة نتيجة ذلك.
إن هذه السياسة الاستثمار تطبق من قبل صناديق رأس المال المخاطر وشركات التعدين وغيرها، وقد فشل البعض فيم نجح آخرون بما يبرر الوسيلة.
فالمشكلة تكمن في الجمع بين استثمارات تولد عوائد كبيرة لكن متناقصة وتمتد على المدى القصير، على غرار آبار النفط، مع الاستثمارات التي تولد عوائد ضئيلة لكنها تنمو وترتفع تدريجياً على المدة الطويل، على غرار الزراعة.

دور الطاقة في تحفيز النمو الاقتصادي

روبرت أيرس، استاذ فخري في علوم السياسة والاقتصاد وإدارة التقنية لدى كلية إنسياد
من المستغرب عدم وجود إدارك حقيقي لدور قطاع الطاقة كمحرك فاعل للنمو الاقتصادي.
مضت ست سنوات تقريباً على انهيار بنك ليمان براذرز واندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، وكان مسيرة التعافي بطيئة خلال الفترة التي تلتها، وتعطلت آلية السياسة المالية نتيجة الخلافات الواقعية والصراعات الأيدولوجية بين المدافعين عن خفض الضرائب وأولئك المتخوفون من زيادة عجز الموازنات الحكومية.
ركزت السياسة المالية على تخفيض تكلفة الأموال بالنسبة للبنوك، على أمل أن تقوم البنوك بزيادة الإقراض للشركات،وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، وهي الفئة الأكبر من حيث عدد الموظفين والأكبر من حيث عدد فرص العمل، لكن لسوء الحظ، لم تكن البنوك متعاونة في هذا الجانب، خاصة وأنها اضطرت لتلبية معايير الحد من المخاطر التي فرضها بنك التسويات الدولي "بي آي إس" في بازل.
إن عدم استثمار المال في الاقتصاد الحقيقي قد يخلق فقاعة أخرى، فقد يتجه للعقار أو فقاعة في سوق السلع، كالمعادن النادر أو حتى النفط، وقد تكون في سوق الأسهم، وشكل هذا الواقع جزء أساسياً في صفحات الصحافة الاقتصادية التي حللت جميع الكلمات التي ألقاها رئيس الاحتياطي الفدرالي، وبالنسبة للإعلاميين المتخصصين، فإن النماذج الاقتصادية السائدة تركز على الطلب المدفوع بالناتج المحلي الإجمالي، لكن النظرية الأكاديمية للنمو الاقتصادي ونسبة كبيرة من نماذج التوازن الاقتصادي ما تزال تهمل أو تقلل من دور الطاقة، مما أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة من توصيات السياسات الاقتصادية كما تم الإعلان عنها قبل التطبيق، حيث ركزت على تحفيز الطلب من خلال طبع النقود، أو بوصف أدق، من خلال تخفيض كلفة الأموال.
في كتابي الصادر حديثاً بعنوان: "اقتصاد الفقاعة: هل يمكن تحقيق النمو المستدام؟" قمت بتوضيح الفجوة الموجودة حالياً في الفكر الاقتصادي فيما يتعلق بدور الطاقة. ففي حال أدى تخفيض معدلات الفائدة إلى زيادة الطلب المجمع بالقدر الكافي بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة، تكون مشكلة النمو والبطالة قد انتهت.
لكن المشكلة الحقيقية أن خفض كلفة المال لا تحفز الطلب بالشكل الكافي كما كان عليه الحال في السابق، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن ارتفاع الطلب يستلزم المزيد من الطاقة، مما يرفع أسعار الطاقة.
خلال القرنين الماضيين، ومنذ انطلاق الثورة الصناعية، لطالما توافرت الطاقة بكميات كبيرة وبتكلفة محدودة، وباتت في عداد المسلمات كداعم أساسي للنشاط الصناعي، لكن تلك الحقبة شارفت على الانتهاء مع اقتراب مرحلة ذروة النفط، أي التي يصل خلالها انتاج النفط إلى الذروة، والتي يرى البعض أنها حدثت في 2005، وتكمن المشكلة أن النفط هو الوقود السائل الوحيد تقريباً المطلوب لتشغيل محركات الاحتراق الداخلي في المصانع، وهذه المحركات تحدث الحركة ، فهي تشغل منظومة النقل والمواصلات بأكملها، باستثناء القطارات الكهربائية، بالإضافة إلى الزراعة الممكننة، وآليات الإنشاء والتعدين، وبالتالي فإن ارتفاع سعرالنفط سيعرقل أي نمو اقتصادي في المستقبل.
لا يتم أخذ الطاقة بعين الاعتبار من قبل المنظرين الاقتصاديين الذين يؤلفون الكتب ويطورون النماذج الاقتصادية إلا ما ندر، حيث يعتمدون على نظرية تقول بارتباط دور الطاقة كمحرك للنمو الاقتصادي مع حصتها من الميزانية العامة لكل بلد، إذ تعتبر النماذج الاقتصادية السائدة أن النمو الاقتصادي يعتمد على الطلب الاستهلاكي الذي يربتط مع الواقع السكاني، أي توافر اليد العاملة، بالإضافة إلى الاستثمار من المدخرات بشكل رئيسي، والمشكلة هنا أن معظم تلك النماذج تهمل دور الطاقة ولا يتم اعتبارها عامل أساسياً في الانتاج.
ونظراً لانخفاض مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي الاجمالي إلى أقل من 5 % خلال السنوات الـ25 الماضية، فإنها لا تدخل ضمن حسابات النماذج الاقتصادية التي تعتمدها مؤسسات على غرار مؤسسة التعاون والتنمية الاقتصادية أو صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر أن النمو يأتي مدفوعاً بتوافر اليد العاملة ورأس المال.
تستأثر قضايا الطاقة بحصة ضئيلة من التحليلات والمقالات في الصحافة العالمية، إلا في حال حدوث أزمات في الشرق الأوسط، لذا يعتبر القراء أن المال هو أساس الحركة الاقتصادية في العالم، لكن رأس المال لا يكون فاعلاً ومنتجاً دون تفعيل دور الطاقة، كما أن توافر اليد العاملة أو حتى توافر الثروة الحيوانية تحتاج للغذاء، فهو ضروري حتى للمجهود الذهني الذي يستهلك 30% من الحريرات في الطعام. إذاً فالطاقة هي أساس حركة العالم.
لا يتم تناول ارتفاع أسعار النفط وآثارها الارتدادية بشكل موسع ضمن النقاشات الدولية التي تعالج التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكن ارتفاع أسعار النفط كان عاملاً مساهماً في الأزمة المالية الأخيرة وغيرها من الأزمات التي شهدها العالم في السابق، ومع مرور الوقت، يزداد الدور السلبي وأثره خاصة مع توقع استمرار ارتفاع أسعار النفط، وخاصة مع مع ارتفاع الطلب من الصين والدول النامية والذي وصل إلى مستويات توازي العرض في سوق النفط، بينما تنخفض تكلفة استكشاف حقول النفط الجديدة، لكن ذلك يأتي مع انخفاض مخزونات النفط الجديدة غير المستكشفة.
بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط، تنخفض أسعار الطاقة البديلة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية أو تلك المعتمدة على الرياح أو طاقة أمواج البحر، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف تقنيات تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة على غرار العزل الحراري والتخزين وغيرها، ويأتي ذلك مع اتساع حجم ودور هذه المصادر بالتوازي مع التطور الذي تشهده، ومن المتوقع أن يتواصل انخفاض أسعار الطاقة البديلة من توسع وارتفاع معدلات وقنوات انتاجها.
ومع توجه أسعار الطاقة البديلة إلى مستويات توازي تكلفة الطاقة الكهربائي،بات من الضروري أخذ ارتفاع أسعار النفط بالتوازي مع انخفاض أسعار الطاقة البديلة بعين الاعتبار لدورها الحيوي في وضع الاقتصاد على طريق النمو المستدام.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وانفخاض تكلفة نظيرتها البديلة، تبرز العديد من الفرص الاستثمارية على المدى الطويل، وخاصة للمستثمرين الأذكياء للفوز بعوائد مالية مجزية.
يلعب القطاع الخاص دوراً هاماً في توجه التركيز على الطاقة البديلة، بالرغم من أن آليات استثمار رؤوس أموال ضخمة في مثل هذه المصادر ليست واضحة بالشكل الكامل بعد، حيث يكمن التحدي الرئيسي في تطوير طريقة لربط القيمة السوقية الحالية مع الأصول غير القابلة للتسييل، أي خلق السوق للطاقة البديلة، لكنها ليست مستحيلة بالنسبة لوول ستريت، حيث تم تطبيق طرق مماثلة عبر الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية من قبل مؤسسات مثل "سالمون براذرز" و"فيرست بوسطن" والتي جنت أموال هائلة نتيجة ذلك.
إن هذه السياسة الاستثمار تطبق من قبل صناديق رأس المال المخاطر وشركات التعدين وغيرها، وقد فشل البعض فيم نجح آخرون بما يبرر الوسيلة.
فالمشكلة تكمن في الجمع بين استثمارات تولد عوائد كبيرة لكن متناقصة وتمتد على المدى القصير، على غرار آبار النفط، مع الاستثمارات التي تولد عوائد ضئيلة لكنها تنمو وترتفع تدريجياً على المدة الطويل، على غرار الزراعة.

قصة النفط في الكويت